بات الطلاب يستنجدون بالمنحة من أي جهة أتت لمواصلة تعليمهم الجامعي، وإن كان اسم هذه الأخيرة قد لا يشبهها تماماً. فهي ليست دون مقابل دائماً. كذلك فلم يعد توزيع المنح مقتصراً على الحزبيين كما في السابق، بل انتقل، برأي البعض، من الكفاءات الممكنة إلى أبناء الطوائف
أحمد محسن
اعتاد الطلاب اللبنانيون السفر إلى الخارج لمتابعة تحصيلهم العلمي. الفكرة ليست جديدة على الإطلاق، وساعد عامل الوقت على تناميها، إضافة إلى تدهور الحالة الاقتصادية يوماً بعد يوم. لكن الأمور تغيّرت كثيراً في الفترة الأخيرة.
لا يمكن تجاوز «الحزب الشيوعي اللبناني» عند الحديث عن المنح الطلابية. في أيام خلت، كان الحزب، إلى جانب أحزاب علمانية أخرى، طليعياً في تصدير الطلاب إلى جامعات الخارج، وتحديداً الجامعات في دول الاتحاد السوفياتي السابق. «كان المقابل عقائدياً في ظاهره وباطنه آنذاك»، يقول علي فاعور، أحد متخرّجي جامعات موسكو، عازياً تبدّل وجهة طلاب اليوم، من الاتحاد السوفياتي إلى دول أوروبا الغربية، إلى أسباب بديهية، أبرزها انهيار هذا الاتحاد. غير أنّ الطبيب الأربعيني يعلّل البناء القوي لأحزاب لبنان بهشاشة الهرم التربوي الرسمي، من دون أن يخفي ألمه مما وصفه بـ«واقع الطوائف».
وواقع الطوائف هذا يمتد ليشمل رأس الجسد الشبابي في لبنان: الجامعات. يوضح فاعور: «الإقطاعيون الذين يتحكمون بمصائر الناس في هذا البلد، طائفيون بامتياز، ومن الطبيعي أن تتجه الأموال التي سيصرفونها نحو تعزيز أفكارهم». ويردف «لم يعد توزيع المنح مقتصراً على الحزبيين كما في السابق، وحين بلغ التشنّج المذهبي لحظات مخيفة، انتقلت المنح الدراسية من الكفاءات الممكنة، نحو المذاهب».
بعيداً عن السياسية ومصالحاتها، يُعدّ «تيار المستقبل» نموذجاً في هذا الإطار. بعد اتفاق الطائف، قدّم الرئيس الشهيد رفيق الحريري منحاً دراسية للعديد من الطلاب، على اختلاف طوائفهم، و«التيار» يتباهى بهذا العمل حتى اليوم.
على صعيد آخر، يذهب الطالب المسجّل في المعاهد الجامعية الجديدة، أو في «النيو ـــــ جامعات»، التي لا تتخطى فترة تأسيسها خمس سنوات، مباشرةً إلى مسؤول الحزب، الأكثر حضوراً في «وجدانه المناطقي». ولـ«حزب الله» و«حركة أمل» حضور لافت في الجامعات الجديدة، وهي «تمنح» حسماً لمواليها يتفاوت بين 25 % و40 %، دون أي تحقيق مفصّل عن الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية للطالب، كما يقول حسن نحلة، الطالب في الجامعة اللبنانية الدولية.
بدوره، يشارك الحزب السوري القومي الاجتماعي في دعم مناصريه بمبلغ 500 دولار سنوياً للطلاب من أبناء الشهداء، وبعض المنح الكاملة في الجامعة الأميركية لبيروت، تنفيذاً لقرارات صادرة عن «عمدة العمل» في الحزب. يبقى بعض الطلاب الذين تقدّم لهم الجامعات منحاً لتفوّقهم، كالجامعة اللبنانية ومنحها خجولة، والجامعات الخاصة التي تحاول أن تشجّع القدرات العلمية.
أما الدوّل الأجنبية، فتبحث عن قدراتٍ ممكنة، في مستوعب العقول اللبنانية، التي لا تجد تقديراً على الأراضي اللبنانية، إلا داخل أحضان السفارات. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى «المنح السخية» التي توزّعها الولايات المتحدة الأميركية، وغالباً ما ينهيها السفير الأميركي مبتسماً في احتفال صاخب، يطالب فيه الدولة اللبنانية بحلحلة بعض الأمور السياسية العالقة.
ليس من حق أحد مطالبة هؤلاء الطلاب برفض العروض لمساعدتهم، فهم بأمسّ الحاجة إليها. لكن الوقت لم يفت لتنظيم «المنح الدراسية»، ومنع تحوّلها إلى مطرقة تسحق عظامهم لاحقاً. الدولة اللبنانية مطالبة بمساعدة جميع طلابها، وخصوصاً أولئك «الذين لا منح لهم ولا من يمنحون».


تسييس المنحة

لم تعد شروط حصول الطلاب على منح تعليمية هذه الأيام واضحة. فالتسييس بات سيد الموقف، والكفاءة والمعدلات في أسفل سلّم المعايير. وفي هذا الإطار، يعترف عادل حيدر بأنّه تعلّم على حساب الرئيس الشهيد رفيق الحريري. «لكنّ الأمور ليست كما في السابق»، يقول حيدر، وخصوصاً أنّ أخاه الأصغر، الذي يملك معدلات عالية لم يوفّق في الحصول على منحة مشابهة، رغم كل المحاولات، والسبب، كما يحلّل حيدر، هو أنّه «ليس سنّياً ولا ننتخب في بيروت أو طرابلس». في اتجاه معاكس، يرفض بلال الحركة أي منحة من هذا النوع، «لأنه لا يحب أن يكون مرتهناً لأحد، وخصوصاً لأي حزب سياسي». المنحة مرتبطة بالسياسة، يوضح الحركة، و«تيار المستقبل له منافسوه في هذه المعمعة المنظّمة».