محمد زبيبعندما رفض المجلس الاحتياطي الفدرالي الاميركي التدخل لإنقاذ بنك «ليمان»، سارع البعض الى استبعاد حصول انهيار واسع في الاسواق، باعتبار ان السلطات الاميركية، كما قال جوزف ستيغلتز، درست المخاطر جيداً قبل ان تتخذ قرارها بعدم التدخل... ولكن بعد صدور قرار «تأميم» شركة التأمين الأولى عالمياً «ايه آي جي»، عبر تملّك الدولة نسبة 79.9% من رأسمالها بمبلغ قياسي قيمته 85 مليار دولار، باتت المخاوف اكبر، على الرغم من التحسن النسبي الذي شهدته الاسواق امس.
فاحتمال الانهيار لم يعد هو الدافع الوحيد لتعظيم المخاوف، بل جاء التدخّل نفسه ليصدم صانعي القرار في اكثرية الدول التي اقتنعت بأن لا مناص إلا بالرضوخ لشروط الاندماج العالمي تحت راية «الليبرالية الجديدة»... فهذا التدخّل في عمل السوق، ولو أنه ليس الاول ولن يكون الاخير، جاء بضخامته ليثبت أن «الفيروس الليبرالي»، كما يسمّيه سمير أمين، ليس إلا الغطاء الذي يحجب عن العالم جوهر «الامبريالية الفظّة» التي تمارسها الولايات المتحدة من اجل تحقيق أهدافها، ومنها تأمين متطلبات استمرار الهيمنة على رأس المال، كأولوية مطلقة، حتى ولو تطلب الامر الامعان في انتهاك مبادئ «الليبرالية» نفسها التي تريد اميركا فرضها في كل مكان، شرطاً لفرض سيطرتها.
لقد بدأ السجال الحاصل اليوم يكتشف اكثر فأكثر أن الدولة العظمى التي تتحكم بالعالم، تعيش في الواقع يوماً بيوم، وما تمرّ به بين الحين والاخر ليس إلا نتاج نوع من «الطفيلية»، حيث العالم ينتج وأميركا تستهلك، ونتاج «الاقتصاد المبتذل» الذي ولّدته بالسعي لتعويض العجز عبر تعظيم عوائد رأس المال على المدى القصير... فالولايات المتحدة ليست متفوقة في كل المجالات، كما يظن البعض، ما عدا صناعة السلاح المدعومة حيث تسيطر على 60% من السوق العالمية، وهي تعجز عن المنافسة في سوق مفتوحة كما يتخيّلها الليبراليون الجدد، من دون استخدام قوّتها العسكرية، إذ تكفي الاشارة الى أن عجز الميزان التجاري الأميركي يبلغ أكثر من 600 مليار دولار سنوياً! كما تكفي الاشارة الى أن النزاعات لدى منظمة التجارة العالمية تتمحور بمعظمها حول دعاوى ضد الولايات المتحدة لاستخدامها وسائل «غير مشروعة» في مواجهة منافسيها.