أنطوان سعدكان رد الفعل اللبناني حيال قرار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي استئناف الاتصالات السياسية مع نظيره السوري بشار الأسد منقسماً كالعادة. ففيما عبّرت بعض القوى اللبنانية للدبلوماسيين الفرنسيين عن «الفرح الشديد بهذه الخطوة»، مشيرة إلى أنها قد تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات بين الدولتين، بما قد ينعكس إيجاباً على الوضع في لبنان، انهالت على وزارة الخارجيّة الفرنسيّة في الكي دورسيه والبعثات الفرنسية تساؤلات ومراجعات عديدة، ولا سيما من قوى 14 آذار، تعبّر عن خوف جدي من احتمال تراجع الاهتمام الفرنسي ببعض القضايا اللبنانية، وفي مقدمها المحكمة الدولية وتحصين سيادة لبنان واستقلاله، وتنامي نفوذ سوريا وحلفائها فيه، نتيجة التواصل السوري ـــــ الفرنسي.
حيال هذا القلق، تحركت الدبلوماسية الفرنسية لطمأنة الخائفين من الساسة اللبنانيين ولتقول، بحسب مصدر دبلوماسي مطلع، إن «الحوار مع سوريا لا يعني على الإطلاق الاتفاق معها، ولا إجراء مساومة معها على حساب المصالح اللبنانية وإعطاءها شيكاً على بياض». وقد جاءت هذه الحركة الدبلوماسية رداً على محاولات «تذنيب» فرنسا لإقدام رئيسها على خطوة سبق له أن أعلن عنها في كانون الأول الماضي، عندما قال إنه سيقطع اتصالاته السياسية مع سوريا إلى أن تسهّل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وهو ما حصل بعد انتخاب الرئيس العماد ميشال سليمان.
وبعدما انتخب الرئيس إثر اتفاق الدوحة، وقام ساركوزي بزيارة دعم للعماد ميشال سليمان (قلما شهدت نظيراً لها لجهة اشتمال الوفد الفرنسي على رئيس الحكومة وعدد من الوزراء والشخصيات الموالية والمعارضة في فرنسا)، وجد سيّد الإليزيه أن الوقت حان لاستئناف الاتصالات السياسية مع القيادة السورية، وخاصة أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تنقطع رغم التشنج في المواقف.
غير أن ذلك لا يعني التخلي عن أي من الثوابت الفرنسية والأوروبية المتعلقة بالقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، ولا سيما في سوريا نفسها.
وعزا مصدر دبلوماسي مطلع الانفتاح الفرنسي إلى شعور باريس بأن «ثمة ما يتحرك في سوريا، أكان ذلك على مستوى إسهام الرئيس الأسد في تسهيل إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان إبان المؤتمر الوطني اللبناني في الدوحة، أم على مستوى المفاوضات غير المباشرة الجارية بين دمشق وتل أبيب، بوساطة تركيّة. وينبغي مقابلة هذه الإشارات الإيجابية بالمثل لتشجيع سوريا على إكمال طريقها».
وأضاف المصدر ردّاً على مراجعات فريق الأكثرية الذي يتهم سوريا بمواصلة عرقلة الوضع في لبنان، أنه يميل إلى الاعتقاد بأن مسؤولية العرقلة باتت تقع على اللبنانيين أكثر من سواهم، رغم إقراره بأن «ليس من السهل في هذا البلد الصغير إيجاد الحد الفاصل بين المحلي والإقليمي».
وعن المواقف الأميركية التي أظهرت بمجملها تحفظاً حيال سياسة الانفتاح الفرنسي على سوريا، يقول المصدر نفسه إن المعطيات المتوافرة لديه، ومنها ما يتصل بتقارير عن محادثات الرئيس الأميركي جورج بوش مع نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، تشير إلى أن الأخير شرح لضيفه الأسباب والأهداف من معاودة الاتصال بالقيادة السورية، وأن «الرئيس جورج بوش لم يكن شديد التمسك بتحفظاته، ولم يظهر الكثير من التشاؤم». ويقول إن انطباعه هو أن الولايات المتحدة الأميركيّة كانت في حاجة إلى سماع بعض الشروح، ليس إلا.
وحول الحديث عن المساعي الأميركية الرامية إلى إقناع إسرائيل بالانسحاب من مزارع شبعا ووضعها تحت سلطة الأمم المتحدة عبر اليونيفيل، كشف المصدر عن معلومات لديه تفيد بأن «واشنطن التي كانت حتى الآن ترفض أن تسمع أي كلام عن دعوة إسرائيل إلى تنفيذ هذا الانسحاب، أصبحت في وضع أكثر قبولاً لهذا الأمر.
ولكن هل إسرائيل وحزب الله مستعدّان لذلك؟ وهل بإمكان إسرائيل الحصول على ضمانات من حزب الله بوقف نشاطه على الحدود الإسرائيلية وعدم استنباط مطالب جديدة إذا سحبت قواتها وسلّمت ما لديها من أسرى؟ وفي جميع الأحوال، يجب انتظار ما ستؤول إليه المحادثات بين سوريا وإسرائيل والمتعلقة تحديداً بمرتفعات الجولان.
كذلك ينبغي وضع كل من إسرائيل وحزب الله أمام مسؤولياته ومتابعة ما يقولانه حتى النهاية لتمييز من سيعرقل هذا المسعى».
وأضاف الدبلوماسي المشار إليه: «من جهتي، كنت أعتقد أن جميع اللبنانيين سيكونون مسرورين إذا تحقق انسحاب القوات الإسرائيلية من مزارع شبعا».