ثائر غندور«السوريّون مرتاحون»، يقول وزير سابق ما زالت طريق الشام وأخبارها مفتوحة أمامه، «فقد استطاعوا تأكيد وجودهم المحوري في المنطقة، وعرفوا كيف يستوعبون «شتائم» بعض اللبنانيين من دون ردود قاسية عليها، حتى عاد أحدهم عن هذه المواقف وبدأ يبعث رسائله شمالاً ويميناً». وقد تحدّث الرئيس برّي خلال زيارته الأخيرة لسوريا، حسب ما يقول زائر لها، طويلاً عن ضرورة إعادة التواصل مع رئيس الحزب التقدمي النائب وليد جنبلاط لإبعاده عن حلفائه في 14 آذار، وهو ما سيؤدّي، حسب فلسفة برّي، إلى «فرط عقد هذه القوة، لأن جنبلاط عمودها الفقري».
في ذلك اليوم، سمع الرئيس السوري بشّار الأسد لبري ولم يُقفل باب النقاش، كما كان يردّ السوريون على أية وساطة عندما كان وضعهم أكثر صعوبة. وبعدما انتهى برّي من شرح فكرته، لم يردّ عليه الأسد سلباً ولا إيجاباً، وهو موقف يراه العارفون بألغاز الحكم السوري أقرب إلى الإيجابي.
ثم جاء كلام الأسد إلى جريدة «الوطن» القطريّة عن «أطراف لبنانيين بدأوا يتحولون من الهجوم على سوريا إلى ما يشبه الاعتذار»، ليشير إلى احتمال قبوله اعتذار هذا «البعض».
لكن هذا الزائر يؤكّد أن من يدّعي فهم العقل السوري الحاكم يعرف أن هذا الحكم لا يُمكن أن ينسى حلفاءه الذين وقفوا إلى جانبه في أحرج الظروف، كما أنه لن ينسى من دخل لعبة إسقاط النظام السوري من لبنان. ويضيف أن من يعتقد أن بإمكانه تجاوز ما حصل من تحريض المعارضين السوريين وإلى تسيير تظاهرات ضدّ النظام في طرابلس هو مخطئ ولم يقرأ الماضي.
ويتفق المقرّبون من سوريا على أن الجيش السوري لن يعود إلى لبنان «ولا حتى جندي واحد»، لأن السوريين تيقّنوا أنهم يستطيعون تحقيق مصالحهم في لبنان عبر حلفائهم، ويختصر هؤلاء مصالح سوريا بأن لا يكون لبنان الخاصرة الرخوة لدمشق، وأن لا يحصل تآمر على النظام من لبنان.
ويفسّر مراقبون ليونة جنبلاط الجديدة و«استراحة» النظام السوري بكون الأوراق في الشرق الأوسط قد اختلطت تماماً. العلاقة بين دمشق والديموقراطيين في واشنطن جيّدة، ولا يستطيع المحافظون إكمال مشروع جورج بوش وتجاوز تقرير بيكر ـــ هاميلتون، وبالتالي الأرجح أن يعتمدوا الحوار مع سوريا. وهو الأمر الذي فهمه الإسرائيليون، فبعثوا برسائلهم نحو سوريا، «ولو لم يكونوا قد قدّموا عروضاً مغرية لدمشق لما كان الأسد أعلن عنها» يقول أحد الوزراء السابقين. ويؤكّد مع غيره أن الأسد الابن لن يخون وصيّة والده ويتخلّى عن فلسطين، «ولكن وفاءه لأبيه، سيتم على طريقته».
والسوريون هم الوحيدون الذين ما زالوا يتمسّكون بمبدأ عودة اللاجئين وحدود عام 1967، لكنهم «يحتاجون إلى غطاء عربي، الأمر غير المتوافر بسبب تبعيّة المعتدلين العرب». وبالتالي فإن دمشق لم ولن تذهب إلى سلام منفرد كما يتمنى البعض، «ولو أرادت الأمر لذهبت مع أنور السادات».
يراهن السوريون على أن أية إدارة أميركية جديدة لا بد لها أن تبحث في مختلف قضايا المنطقة، وعندها ستجد نفسها مضطرة إلى التفاوض مع سوريا. ففي العراق، يُمسك السوري بأكثر من نصف أوراق المقاومة، «وباقي القوى، وضمنها الإيرانيون، متحالفة مع الأميركيين، ومتواطئة وإيّاهم في الصغيرة والكبيرة»، يقول الوزير السابق. كذلك في فلسطين، المحركان الأساسيّان هما سوريا ومصر، «الأخيرة تنفّذ السياسة الأميركيّة». ويعرف السوريون أنهم ضروريون لأي حلّ في لبنان، ويجزم عدد من زوار دمشق بأن هذه لن تُقدّم أي تنازل في لبنان، ويذكّر أحدهم بأن إرسال بضع مئات من الجنود إلى العراق مع التحالف الأميركي مكّنهم من إرسال طائراتهم الحربيّة لقصف العماد ميشال عون في قصر بعبدا. وبالتالي فإن إعادة رسم المشهد اللبناني سيكون فيها للريشة السوريّة دور مهم.
ولكن ماذا لو كان هذا السيناريو خيالياً؟ يقول زوار دمشق إنها مستعدّة تماماً للمواجهة إذا أقدم الإسرائيلي على مغامرة ما. فالجيش السوري استخلص دروس حرب تمّوز. والصواريخ التي كانت تنهال على إسرائيل هي سورية لا إيرانيّة كما يقول حزب الله.
ومنذ تمّوز 2006، زادت دمشق إنتاج الصواريخ بشكل كبير «لأنها تُمثّل توازناً تجاه تفوّق سلاح الطيران الإسرائيلي». ويُضيف الوزير البقاعي السابق أن الحرب ستكون مكلفة على السوري لأن الدول العربية لن تتبرّع لإعادة الإعمار كما حصل في لبنان، لكنّه يجزم بأن هذه الحرب، بغض النظر عن نتيجتها، ستكون مختلفة عن الحروب العربيّة ـــ الإسرائيليّة السابقة، إذ «لن تنتهي الحرب بعد أيّام بسبب الحسم العسكري المباغت والصاعق الذي اعتادته إسرائيل».
يتحدّث هؤلاء المعارضون اللبنانيون المقرّبون من سوريا بثقة عن قوّتها، ويعربون عن اعتقادهم بأنهم جزء من هذه القوّة، إذ استطاعوا مواجهة مدّ تيّار المستقبل شمالاً وبقاعاً وواجهوا جنبلاط بعناد وذكاء في الجبل. ولذلك يُجمع كثيرون منهم على أن قوى 14 آذار تجاوزت نقطة الذروة في مسيرتها، وبالتالي بدأت بالتراجع وآن «موعد الحصاد».