المعارضة تكثّف لقاءاتها لتنظيم صفوفها ومواجهة «مخاطر المرحلة المقبلة»يبدو أن التصعيد هو عنوان مرحلة ما بعد القمة العربية، بعد فشل جميع المبادرات وآخرها مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه برّي التي أجهضت قبل ولادتها، واستمرار تمترس المعارضة والموالاة كل خلف مواقفه وأولوياته للحلتواكب إعلان الحكومة مقاطعتها للقمة العربية في دمشق، مع حملة للموالاة على مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه برّي الداعية إلى التشاور في موضوع حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب، محددة أولوياتها بانتخاب رئيس الجمهورية أولاً وأن يكون الحوار برعايته في قصر بعبدا.
وفيما صدرت ردود متفرقة على المبادرة، يتوقع أن يصدر موقف موحّد لـ«قوى 14آذار» إثر اجتماع لقادتها عقب عودة رئيس كتلة «المستقبل» سعد الحريري ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى لبنان.
وقررت القوى المذكورة توجيه مذكّرة إلى القمة العربية تعلن عنها في مؤتمر صحافي ظهر غد الخميس في فندق «البريستول».
في مجال آخر، رد المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة على ما ذكره الرئيس بري في مقابلته التلفزيونية عن أن الأول «كان قد طلب قبل انعقاد القمة العربية في الخرطوم أن يذهب إلى القمة ممثلاً طاولة الحوار آنذاك، لكنه لم يوفق». ووصف المكتب كلام بري بأنه «غير دقيق ولم يحدث في السياق الذي أورده رئيس مجلس النواب، وربما التبس الأمر على الرئيس بري في شأن آخر».
وكان السنيورة قد عرض موضوع القمة العربية والتطورات السياسية في لبنان مع السفير الإيراني محمد رضا شيباني، وترأس اجتماعاً للجنة الاتصالات التي كلفها مجلس الوزراء وضع تقرير عما سمّي «شبكة الاتصالات الهاتفية التي مدّها حزب الله في عدد من المناطق»، وحضر الاجتماع الوزراء: مروان حمادة، الياس المر، شارل رزق، حسن السبع، الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء سعيد عيد، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، مدير المخابرات العميد جورج خوري ورئيس هيئة «أوجيرو» عبد المنعم يوسف. وجرى البحث في التقرير الذي تعده اللجنة حول الموضوع المذكور.

التطمينات لا تكفي 14 آذار

وفي إطار المواقف من مبادرة الرئيس برّي، رأى وزير الشباب والرياضة الدكتور أحمد فتفت أن الدعوة للحوار «جاءت قبل أيام قليلة من قمة دمشق وكأنها رسالة مطلوبة من سوريا لتهدئة الأجواء قبل القمة». وقال: «إذا كانت النيات صادقة وصافية، فلنبدأ من حيث يجب أن نبدأ وليفتح المجلس النيابي ليكون هناك انتخاب رئيس، عندها يصبح الرئيس المنتخب هو من يرعى طاولة الحوار الوطني الحقيقية».
وأدرج النائب سمير فرنجية بعض الكلام الداعي لاستئناف الحوار في خانة تقطيع الوقت، لافتاً إلى أن المشكلة تكمن في «أننا نجهل ما ينتظر المنطقة من تطورات ولا تكفي التطمينات التي يحاول البعض إشاعتها لأن الخلاف السياسي بيننا وبين المعارضة حول بقاء لبنان ساحة المعركة الطبيعية»، واستبعد أن يكون للقمة العربية «أي تأثير فاعل إن لجهة القضايا العربية أو لجهة الأزمة اللبنانية»، لافتاً إلى أن حظوظ المبادرة العربية أصبحت ضئيلة.
ورأى أن «ما طرحه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد نصر الله عن إحصاءات حول زوال إسرائيل، خارج السجال السياسي الدائر اليوم»، مقترحاً على الفريق الآخر وتحديداً «حزب الله» «توقيع اتفاق ينص على رفض الوصاية بما فيها الإيرانية والأميركية»، وقال: «نحن بانتظار انتهاء القمة لنبني على الشيء مقتضاه، لكن الأكيد أننا لن نترك البلد والخيارات كثيرة».
كما شدد رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع على «أولوية انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تكون طاولة الحوار في قصر بعبدا».
ووصف جعجع في كلمة له، خلال عشاء أقامه مناصرو «القوات اللبنانية» في مدينة لوس أنجلوس الأميركية، الرئيس بري بأنه «شخصية طريفة والجلسة معه ممتعة»، والسيد نصر الله الحوار معه مشوّق، ولكن علينا أن نكون جديين في طرح المسائل الوطنية والوصول إلى نظرة مشتركة للبنان الذي لا يكون ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية على أرضه بل وطناً للجميع حيث ينعم جميع أبنائه بالعدالة والمساواة وتقديم المصلحة الوطنية على المصالح الأخرى». مؤكداً أن «الطريق طويل وشاق».
ووصف عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب أكرم شهيب خطاب السيد نصر الله بأنه «خطاب باطني، كله إغراق في الماضي ولا يبشر بالمستقبل».
ولاحظ حديثه عن مبادرات بعد 24 ساعة من كلام الرئيس بري عن المبادرات، معتبراً أن هذا التوجه «يترجم رغبة النظامين الإيراني والسوري باستمرار الأزمة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية».
وقال النائب فؤاد السعد إن بري يريد إطلاق مبادرة، ويرى مسبقاً أنها لن تؤدي إلى نتيجة. وأكد أنه عندما يتوافر 65 نائباً في المجلس ويقررون انتخاب رئيس للجمهورية يمكنهم القيام بذلك فوراً، وتوقع حصول تفجيرات واغتيالات بعد القمّة.

فرصة للتسوية وإبعاد الفتنة

وفي المقلب الآخر، أكد الرئيس عمر كرامي أن «الأزمة اللبنانية لا تحل إلا بالحوار»، مشيراً إلى أنه «بعدما حاول الفرنسيون والعرب في مبادرات لم تنجح حتى الآن لا بد للرئيس بري، من موقعه كرئيس لمجلس النواب، ورئيس لحركة «أمل» وركن أساسي في المعارضة، أن يبادر إلى إعادة الحوار».
وأشار كرامي بعد الاجتماع الأسبوعي للقاء الوطني في منزله في بيروت، إلى أن الحكومة اتخذت قرارها بشأن المشاركة في القمة العربية منذ زمن «عندما صرح الأميركيون بوضوح، وقالوا للدول العربية تمهّلي بالذهاب إلى القمة، وطبعاً، الإخوان نعرف مواقفهم مما يصرح به الأميركيون». ورأى أنه «لو كانت الحكومة طبيعية وتنظر إلى مصلحة الوطن ككل، لكان من المفروض أن تؤلف وفداً من الموالاة والمعارضة لعرض وجهة نظر لبنان ولمحاولة حل الأزمة اللبنانية كفريق واحد». وأكد أن عملية توحيد المعارضة وتنظيمها قطعت شوطاً كبيراً.
وعن اتهام النائب مصطفى علوش له بشرذمة الطائفة السنية قال كرامي: «مصطفى علوش وأمثاله أسميهم فرقة الشتامين الذي يتحدثون بالقطعة»، متسائلاً «ما دخل المحكمة بأوقاف طرابلس؟» وأوضح أن كل ما قصدناه هو «أن تدار أملاك الأوقاف بالشكل الصحيح، فيطلع أحدهم ويقول هذا توجيه سوري ـ إيراني، ويتحدث عن المحكمة» وقال: «لن نرد على كل هذه التفاهات وهذا الانحطاط في الخطاب السياسي الذي هو من جملة مصائب لبنان»، معلناً أن «ما يرتضيه سماحة المفتي مالك الشعار وأعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في طرابلس أقبل به وأبصم على العمياني».
من جهة أخرى، توقف «اللقاء» عند مطلب تصحيح الأجور الذي وصفه بالمحقّ، لكنه أبدى خشيته «من أن تنطوي عملية تصحيح الأجور على استغلال سياسي لأن مجلس النواب لا يمكن أن يجتمع بوجود حكومة فاقدة للشرعية».
من جهته، رأى تحالف الأحزاب الوطنية الذي يضم حزب الاتحاد، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حركة النضال العربي، التنظيم الشعبي الناصري، حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة الشعب، إثر اجتماعه في مركز الأخيرة أن القمة العربية «فرصة لإيجاد تسوية في الأزمة اللبنانية، تبعد شبح الفتنة والحرب الأهلية، وتضع لبنان على طريق حل أزمته وإعادة بناء الدولة».
وحذّر من أن مساعي مساعد الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن لعقد مؤتمر دولي حول لبنان «تأتي في سياق خطة أميركية تهدف إلى تفجير الأزمة اللبنانية ووضع اليد على لبنان بغطاء مجلس الأمن الدولي»، مدرجاً الجولة الأوروبية لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أواخر كانون الثاني الماضي، وجولة السنيورة الأوروبية الأخيرة في السياق عينه.
ورأى التحالف أن المرحلة المقبلة تحمل مخاطر جسيمة على لبنان «تفرض الارتقاء بعمل المعارضة نحو إطار جبهوي جامع يقوم على أساس برنامج واضح للإصلاح السياسي»، معلناً أنه سيقوم بجولة مشاورات كثيفة مع سائر أحزاب المعارضة وتكتلاتها من أجل عرض تصوره لإقامة هذا الإطار وللنقاط الأساسية التي يرتكز عليها مشروع الإنقاذ الوطني.
في غضون ذلك، دعا البطريرك الماروني نصر الله صفير خلال استقباله وفداً من اللجنة الوطنية للحوار المسيحي ـ الإسلامي مهنئاً بعيد الفصح إلى «التفكير للخروج من هذا المأزق الذي نحن فيه»، فيما رأى الرئيس نجيب ميقاتي بعد زيارته بكركي، مهنئاً بالعيد، أن المبادرة العربية لا تزال صالحة لحل الأزمة التي نمر بها ويجب أن نعمل جميعاً لتقويتها لكي تحقق أهدافها وننقذ وطننا من الأزمة المستعصية التي نمر بها».
وأكد أن تمثيل لبنان في القمة العربية ضروري، وخصوصاً «عندما يطرح الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الموضوع اللبناني ويجب أن يكون للبنان رأي في ما سيطرح»، لافتاً إلى أنه «قد تكون القمة مناسبة لتحسين العلاقة بين لبنان وسوريا».
واستقبل صفير وزير الاتصالات مروان حمادة، وتلقى اتصالاً هاتفياً من مفتي الجمهورية الدكتور الشيخ محمد رشيد قباني.
من جهته، أعرب القائم بالأعمال الفرنسي أندريه باران، بعد زيارته الرئيس أمين الجميل، عن قلق بلاده «لتأجيل انتخاب رئيس الجمهورية مرة جديدة، ولرؤية لبنان من دون رئيس، ولعدم تمثيله برئيس للجمهورية في القمة العربية». وأكد أن «لا شيء جديداً في ما يختص بالمبادرة الفرنسية».
وفيما ترخي العلاقات المتوترة بين سوريا والسعودية بظلالها على الساحتين اللبنانية والعربية، ناشد رئيس «المؤتمر الشعبي اللبناني» كمال شاتيلا «الرئيس المصري حسني مبارك التدخل وبذل جهود إضافية بين سوريا والسعودية كمحاولة أخيرة لإنقاذ القمة العربية وتوفير عوامل النجاح لها». ورأى أن «من حق كل مواطن عربي أن يعرف السبب الخطير في تصاعد الخلاف السعودي ـ السوري».

لقاءات روحيّة لتمتين الوحدة

ووسط الأجواء المحمومة التي تخيّم على لبنان، برز لقاء روحي في دارة رئيس «هيئة علماء جبل عامل» العلّامة الشيخ عفيف النابلسي في صيدا وبدعوة منه، ضم عدداً من العلماء الشيعة والسنّة والدروز ورؤساء الطوائف المسيحية في الجنوب، وبحسب بيان صدر عن اللقاء، بحث المجتمعون «في الأزمة السياسية الراهنة وكيفية تمتين أواصر المحبة والوحدة بين الطوائف.
وفي خطوة مماثلة، زار عضو شورى حزب الله الشيخ محمد يزبك، على رأس وفد من الحزب، بلدة رأس بعلبك حيث التقى الأهالي في كنيسة البلدة وهنأهم بعيد الفصح، بحضور راعي أبرشية بعلبك الهرمل للروم الكاثوليك المطران الياس رحال الذي أثنى على هذه الخطوة، مؤكداً أنها ستتبعها «خطوات أخرى للتعاون والانفتاح والتداول في شؤون منطقة بعلبك ــ الهرمل المحرومة من كل شيء».
وختم: «نحن معكم نعمل، اليد باليد والقلب بالقلب لنصل إلى هدفنا وهو رخاء وطمأنينة هذه المنطقة».
من جهته، دعا الشيخ يزبك المسؤولين في لبنان إلى طاولة حوار من أجل إيجاد حل للأزمة السياسية الراهنة، كما دعا الجميع للعودة إلى الثقة المتبادلة، مؤكداً أن لا خلاص إلا بالمشاركة.
وفي إطار متابعة الأوضاع في طرابلس والشمال، زار رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في لبنان أحمد القصص وعضو لجنة الاتصالات المركزية للحزب محمد السيد، النائب سمير الجسر في دارته في طرابلس. وشدد الوفد على «ضرورة اجتناب المواقف الحادّة التي تؤدي إلى الاحتكاك في الشارع».