حسن عليق
خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، أصدر قضاةٌ أحكاماً تظهر منحى جدياً لإصلاح «محيط» الجسم القضائي من شوائب قد تثير شكوكاً بنظام العدالة

خلال ثمانية أيام، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في بيروت القاضي هاني حلمي الحجار حكمين قضائيين بحق اثنين من مدعي النفوذ لدى القضاء. الحكم الأخير، والصادر بتاريخ 31/1/2007، شبيه بحكم ثالث صدر عن القاضي نفسه، بتاريخ 29/11/2006، لجهة حبس «سماسرة» يعملون لصالح محامين.
المدعى عليه في القضية الأخيرة، «ف. م. س.»، أقدم، كما ورد في الحكم، على «أعمال السمسرة في أروقة قصر العدل واصطياد الزبائن وإيهامهم بأنه من أصحاب النفوذ وأن بإمكانه التوسط في حل قضاياهم وإخلاء سبيل الموقوفين من أقاربهم، ثم يقوم بمحاولة تغطية عمله عن طريق حمل ضحاياه على توكيل المحامي «م. ك.» لمتابعة قضاياهم».
بدأت القضية عندما تقدم أحد الموظفين في قصر العدل لإعلام المحامي العام الاستئنافي في بيروت بأن سيدة تحدثت أمامه عن أن المدعى عليه أخذ منها مبلغ ألفي دولار أميركي على أن يحتفظ بقسم منه مقابل التوسط لإخلاء سبيل ابنها الموقوف. أما باقي المبلغ فكان بمثابة أتعاب للمحامي «م. ك.»، وكيل ابنها الموقوف. وخلال الاستماع للمدعى عليه أمام قاضي التحقيق، أفاد بأنه كان يقوم بمتابعة معاملات زبائن مكتب المحامي «م. ك.» نافياً أن يكون قد أخذ أي مبلغ من أي شخص بعد إيهامه بإمكان التوسط لإخلاء سبيل قريبه. كما ذكر أنه كان «يتقاضى مبالغ مالية من أصحاب العلاقة مباشرة بعد إعلام المحامي، وأنه كان ينظم وكالات من الموقوفين لمصلحة المحامي المذكور». وكرر المدعى عليه هذه الأقوال أمام المحكمة، مضيفاً أن كل عمله في قصر العدل هو بحكم وظيفته في مكتب المحامي منذ تسع سنوات، مضيفاً أنه يتقاضى راتباً شهرياً يبلغ قدره 350 دولاراً أميركياً. وذكر أن وظيفته هي بموجب عقد مسجل لدى الكاتب العدل منذ بدء العمل في مكتب المحامي المذكور، وأن الأخير لم يصرح عن عقد العمل حتى لا يضطر لتسجيل المدعى عليه في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وعندما طلبت المحكمة من المدعى عليه إبراز عقد العمل المذكور تلكأ عن ذلك، إلى أن تقدم وكيله، المحامي نفسه، بمذكرة أمام المحكمة، بعد ختام المحاكمة، ذكر فيها أن المدعى عليه كان يتعاطى مع أقارب الموقوفين، من غير زبائن المكتب، «بدافع الحشرية وبقصد المساعدة دون التماس أي منفعة مادية ودون إيهام الناس بأنه من أصحاب النفوذ». كما أبرز المحامي عقد عمل «ذا توقيع خاص» في ما بينه وبين المدعى عليه مؤرخاً في 3/1/2003. وبناء على وقائع الاعترافات والمحاكمة، اعتبرت المحكمة المدعى عليه سمساراً، وبالتالي أدانته سنداً للمادة 113 من قانون تنظيم مهنة المحاماة. كما اعتبرت المحكمة المدعى عليه رامياً للتأثير بعمل القضاء من خلال إيهام المواطنين بأنه من أصحاب النفوذ وبإمكانه التدخل لإخلاء سبيل أقاربهم، ما يجعل متوافراً بحقه عناصر جرم المادة 357 من قانون العقوبات، وبالتالي إدانته سنداً لها. وخلاصة الحكم، حبس المدعى عليه سنة وتغريمه عشرة ملايين ليرة لبنانية ومنعه من ممارسة حقوقه المدنية (ترشح وانتخاب ووظائف) لمدة عشر سنوات. كما قررت المحكمة «لفت نظر» النيابة العامة الاستئنافية في بيروت لاتخاذ ما تراه مناسباً بشأن ملاحقة المحامي «م. ك.» سنداً للمادة 114 من قانون تنظيم مهنة المحاماة.
نقيب المحامين
وفي اتصال لـ«الأخبار» بنقيب المحامين في بيروت بطرس ضومط، ذكر أنه لم يتبلغ بهذا الحكم، كما لا علم له بالحكم الصادر سابقاً عن القاضي نفسه بحق «أ. س. ص.» (منشور في «الأخبار» بتاريخ 29/12/2006) لإقدامه على أعمال السمسرة لمصلحة محام آخر. وقال ضومط لـ«الأخبار» إن نقابة المحامين تتحرك تلقائياً في حال علمها بأحكام كهذه وتحول المحامين إلى المجلس التأديبي من أجل تبيان أي مخالفات مسلكية من قبلهم، بغض النظر عن الأحكام القضائية. وذكر ضومط أن النقابة حولت إلى المجلس التأديبي، منذ وصوله إلى منصب النقيب، 27 محامياً نتيجة مخالفات مسلكية.