خليل صويلح
كنت أقول متباهياً إنني أعمل في صحيفة يديرها جوزف سماحة. هذا الاسم بالنسبة إليّ يشبه صمام أمان، على الرغم من أنّني بالكاد أعرفه. التقيته مرةً واحدةً في ممر صحيفة “الأخبار”. حيّاني بلطف شديد قبل أن يغرق في العمل. لدي رقم هاتفه، لكنني لم أستعمله مرة واحدة. لا شك في أنني بعد اليوم لن أجد من ينصت إلى الرنين في الطرف الآخر.
قبل يومين كنت في بيروت. لم أشأ أن أدخل غرفته. كانت رغبة غامضة تنتابني في أن أصادفه في الممر الطويل كي أحيّيه. في السهرة، كان اسمه حاضراً بقوة في سجال ساخن من بعض معارضيه. ففي بيروت اليوم، عليك أن تكون في أحد خندقين. في السهرة ذاتها اعترف مناهضوه بأنه من جيل صحافي لا يتكرر، فالعداء الأيديولوجي لا يبرر القطيعة ولا يفسد للود قضية. ضربوا مثلاً على خصامه الفكري مع حازم صاغية، لكنّ موت رفيقة درب حازم مي غصوب، جعله يركب الطائرة ويمضي، لم يفارقه لحظة واحدة بعد رحيلها.
جوزف سماحة في رحيله الفاجع، يبدو كما لو أنّه مجرد حالة عبث أخرى كالتي يعيشها لبنان اليوم... أمر غير قابل للتصديق، لكنه يحدث دائماً بكل أسف.
“خط أحمر” التي كان يكتبها كل يوم، كانت إحدى محطاتي في قراءة “الأخبار”. اللغة الواضحة الرائقة والجملة التي لا تحتمل أي نوع من الغموض أو الالتباس والمعلومة الأكيدة. لكن هناك أيضاً النسيج البلاغي للعبارة السياسية، وهي تتماهى في ثقافة الرجل ونزاهته المهنية، ما يجعل “خط أحمر” في نهاية المطاف بوصلةً للقارئ الحائر ونصاً مكتفياً بذاته. عليك أن تلحقه مرغماً إلى الصفحة الثالثة والعشرين بشغف أكيد.