strong>هاني نعيم
• الفيليبينيّون أيضاً يحبّون الحياة... ولبنان

على مدى ستة أيّام يضجّ شارع الحمرا بالحياة، لكنه يختلف يوم الأحد إذ قد يخال زائره أنه في أحد أحياء مانيلا عاصمة الفيليبين من حيث الناس، اللغة، المحال وحتى الملاهي. هناك وجد أبناء الجالية الفيليبينية فسحة للحياة جعلتهم يتشبثون بلبنان ويتمنون عدم وقوع الحرب فيه

في التاسعة من صباح الأحد... كلّ أحد تقريباً، تتوافد أعداد كبيرة من الفيليبينيّين العاملين في لبنان من مختلف المناطق اللبنانية كالدورة والمطيلب وصيدا والأشرفية والجبل وغيرها... إلى شارع الحمرا، وتحديداً إلى كنيسة الكبوشية حيث يتجمعون ويتبادلون الأحاديث باللغة الأم، فهذا اليوم «يومهم».
لا يمرّ وقت طويل قبل أن يتحوّل شارع القاهرة، أحد متفرّعات الحمرا، إلى سوق بعد أن يتوزّع عدد من «البسطات» على جوانب الرصيف: مجوهرات، إكسسوارات، نظارات شمس. إنه «سوق أحد» جديد ينضمّ إلى لائحة الأسواق، لكن هذه المرة الزبائن مختلفون: «نحن نستهدف بيع الفيليبينيين»، يقول أحد أصحاب البسطات التي تعرض المجوهرات والذهب البرازيلي، ما يعني أن وجوده في المكان مبرّره ممارسة الفيليبينيين لعدد من النشاطات في هذا اليوم، «عندما ينتهي القدّاس، ويذهب الفيليبينيون، نغلق البسطات، ونرحل الى بيوتنا»، يضيف بائع آخر.

كنيسة الكبّوشيّة... سوقاً

لا يقتصر الأمر على الشارع من الخارج، فما إن تدخل الكنيسة حتى تلاحظ أن السوق امتدّت إلى باحة الكنيسة. هذه المرّة، الباعة من الفيليبينيات اللواتي يتوزّعن الزوايا، وحولهن التف عدد كبير من الفتيات والنساء الراغبات في التبضع، والبضاعة المعروضة للبيع مختلفة ومتنوّعة وتتألف من الملابس الداخلية والبناطلين والقمصان والحقائب والأحذية النسائية، بالإضافة الى المأكولات «الوطنيّة» الفيليبينية.
هكذا لم تعد الكنيسة مقصد الراغبين في الصلاة والمشاركة في القدّاس الذي يبدأ عند الظهر فحسب، بل هي أيضاً مكان التقاء للتعارف وتوثيق علاقات أبناء الجالية بعضهم ببعض، وأيضاً لتبادل الفيليبينيات الروايات والكتب التي يشترينها من المحال الخاصة ببيع المنتوجات الفيليبينية في الحمرا.
روميلا، تعيش في لبنان منذ 17 سنة، تبيع الحقائب والأحذية النسائية، الى جانب عملها في منزل بأجر يصل إلى 300 دولار أميركي. تقول إنها مضطرة إلى العمل حتى في يوم عطلتها لأن «المعاش ما بكفّي أكيد»، تقولها بلهجة لبنانية «مكسّرةوتضيف: «البسطة تزيد نحو 100 ألف ليرة لبنانية على مدخولي»، علماً أنها متزوّجة بلبناني منذ حوالى 13 سنة، ولديها منه ولدان، وهي حصلت على الجنسية اللبنانية منذ 3 سنوات.
أما مورينا، صديقة روميلا، فتعيش في لبنان منذ 20 سنة، وتبيع مجوهرات من الذهب البرازيلي لكن من دون علم زوجها لأنه يريدها أن تبقى في المنزل مع العائلة.
وتصف شارون كونيتا، بائعة إكسسوارات، بسطتها بـ«العمل الصغير». هي تعمل «خادمة» في أحد البيوت بأجر 500 دولار أميركي شهرياً، ويوفر لها عملها هذا نحو 100 دولار أميركي شهرياً، تقوم بإرسال 400 دولار من المدخول إلى زوجها وأولادها الذين يدرسون في الجامعة في الفيليبين.

وأيضاً... تلاقي العشّاق

وسط هذا الجو «الفيليبيني الصافي»، يبدو من المستغرب وجود شاب لبناني ثلاثيني في المكان. يجيب لدى سؤاله «جئت لملاقاة صاحبتي. هي فيليبينية واليوم الوحيد الذي نلتقي به هو يوم عطلتها». يتلاقيان في الكنيسة، ينتظرها لينتهي القدّاس الواحدة ظهراً، ثم ينطلقان الى الديسكو، يشربان ويرقصان ثم يعودان الى بيته، «لممارسة حياتنا الطبيعية» يقولها مع ابتسامة صغيرة، «ولاحقاً تعود الى البيت الذي تعمل فيه».
ولدى سؤاله عن سبب عدم إقامته علاقة مع فتاة لبنانية، يجيب «اللبنانية متطلّبة وقياساً إلى ظروف حياتي فأنا لا أستطيع مجاراة تلك المتطلبات. أما الفيليبينية فهي قنوعة وتفهم الظروف». ثم يردف ليؤكد فكرته «إنّهم بشر مثلنا، وأنا لا أخجل من علاقتي بها، فنحن نرتاد الأماكن العامة معاً... ثم إنها ليست علاقتي الأولى مع فتاة فيليبينية».
أما أحمد (22 عاماً) الذي كان يقف في إحدى الزوايا مع فتاة فيليبينية، فيقول إنه يتردّد الى الكنيسة منذ شهرين تقريباً، وبالطبع لم يكن هدفه المشاركة في القدّاس، بل «أخبرني صديقي أن الفيليبينيات يأتين إلى هنا نهار الأحد، فجئت أبحث عن علاقة». السبب: يأسه من غرور اللبنانيات. وهو الآن يقيم علاقة مع فتاة فيليبينية منذ شهر ونصف شهر. وتوضح «صاحبته» أنالين أن علاقتها بأحمد «هي العلاقة الأولى لها منذ أتت الى لبنان قبل 4 سنوات»، مؤكدة أنها لن تترك لبنان ولو اندلعت الحرب فيه: «شو بدّي أعمل بالفيليبين؟»، علماً أنّها طالبة جامعية في مجال التجارة، ولكنها فضّلت المجيء الى لبنان «لأني لن أحصل على ظروف عمل أفضل هناك ولو حصلت على الشهادة الجامعية».
بريدي وضعه مختلف، فهو يعيش مع زوجته الفيليبينية في لبنان منذ 14 سنة. يأتي الى الكنيسة لملاقاتها، فهو يعمل في شركة شحن ويسكن في الدورة، في حين تقيم زوجته في البيت الذي تعمل فيه في برمانا. «إنه يومنا» يقول بضحكة واسعة، موضحاً «أولادي الثلاثة خريجو جامعات في مانيلا، ومع ذلك أنا سعيد في لبنان ولن أتركه إلا إذا اندلعت الحرب»، ويقول «أنا مطمئن إلى أنه لن تكون هناك حرب في لبنان، لأن الوضع الإقليمي هادىء».
في حديقة الكنيسة مجموعة من الفتيات الفيليبينيات. منهنّ من تحمل الكاميرا الديجيتال وتلتقط صوراً أحادية وثنائية وجماعية لإرسالها للعائلة والأصدقاء في الفيليبين، بالإضافة إلى وجود مصوّر سنغالي الجنسيّة يقوم بتصويرهنّ، ويعود في الأسبوع التالي ليعيطهن الصور مطبوعة مقابل ألف ليرة للصورة.

محال خاصة

تنتشر في بعض متفرّعات الحمرا المحال الخاصة بالفيليبينيين. يقول نبيل مراد، مدير Atomium وهو محل خاص بالأدوات الكهربائيّة والإلكترونية، «إن هذه الظاهرة قديمة في الحمرا منذ السبعينيّات، والمحل يقدّم العديد من الخدمات الخاصة بالفيليبينيين، لأنهم يحبّون كل ما له علاقة بالصوت والصورة». وقد تعاقد مراد مع شركة سوني في الفيليبين كي تغطّي كفالة الأدوات الكهربائية والإلكترونيّة في كلّ من لبنان والفيليبين، ويبيع المحل أيضاً أفلام فيديو وأقراص DVD من إنتاج فيليبيني، بالإضافة الى موسيقى وأغان وتراتيل دينية باللغة الفيليبينيةأما أحمد بغدادي صاحب محل Revelon، الخاص ببيع أدوات التجميل والتوابل والحبوب والأفلام والموسيقى ذات الإنتاج الفيليبيني، فيقول «المحلّ موجود هنا منذ 30 سنة، ولكني منذ 12 وتحويل الأموال للفيليبين عبر Xpress money، لأنّ عدد الفيليبينيين الذين يرتادون الحمرا كبير»، لكنه يوضح «أن المحال الفيليبينية بدأت بالتزايد وهذا ما يضيّع الزبائن: أيّ محل يقصدونه لشراء حاجاتهم، الأمر الذي يخفّف من حركة العمل».
تتوزّع المحال الفيليبينية الأخرى على الزوايا الممتدة ما بين شارعي القاهرة وليون، وهي متقاربة من حيث المنتجات التي تبيعها نظراً إلى وجود شركتين تقريباً تشتري منهما البضائع، وهذه المنتجات تراوح ما بين لوازم العناية بالبشرة من أدوات التجميل والتنظيف ولوازم طبخ المأكولات الفيليبينية من التوابل والحبوب والمعلّبات الجاهزة، بالإضافة إلى المجلات والروايات والجرائد والموسيقى والأغاني الفيليبينية.
ومن هذه المحال، Iremit، لصاحبته شيكا كريستي المتزوجة بلبناني منذ عام 1998. وقد كانت فكرتها افتتاح مطعم خاص بتقديم المأكولات الفيليبينية لأنه يوجد «في المنطقة الكثير من العمال الفيليبينيين غير القادرين على الطهو في المنازل التي يعملون فيها، ونحن نقدّم المأكولات الوطنية لهم». وكان لكريستي محلّ قديم مواجه لمحلّها الحالي «لكنه كان أصغر من هذا الذي افتتحته منذ نحو عام». وبالطبع لم تنسَ شيكا الترفيه على الزبائن عبر الأغاني الفيليبينية التي تبقى صادحةً على مدار الساعة، وفي هذا الخصوص تقول «إننا نشتاق لبلادنا»، ويعلّق أحد الزبائن «نسمعها ونشعر كأننا في الفيليبين».
أما سيلفيا، صاحبة Manila market، فهي في لبنان منذ عام 1982. في حينه ذهبت إلى فاريّا بعيداً من المعارك وأعمال العنف، وعملت لدى عائلة لبنانية هناك. وفي عام 1990، تزوّجت بلبناني، وبدأت العمل من أجل فتح محل خاص ببيع المنتجات الفيليبينية في الحمرا، «لأنّها مركز الاستقطاب». وبالفعل افتتحت محلّها عام 1992، وافتتحت قبل عام ونصف عام محلاً ثانياً مجاوراً للأول، أكبر منه، وذلك بعدما ازداد عدد الزبائن. ولفتت سيلفيا إلى أن عدداً غير قليل من اللبنانيات يشترين أدوات العناية بالبشرة المصنّعة في الفيليبين، وتعلّق ساخرة «يردن الحصول على بشرة شبابيّة دائمة مثلنا».
ماريبيل، صاحبة مطعم Friendship، جاءت عام 1993 إلى لبنان، وتزوّجت بلبناني عام 2002، ولكنّها انفصلت عنه قبل عامين، ثم بدأت البحث عن عمل فافتتحت مطعماً يقدّم المأكولات الفيليبينية منذ 11 شهراً، ويرتاده يوميّاً ما بين 7 و10 أشخاص، بالإضافة إلى بيع أدوات تجميل وبعض لوازم الأكل «الوطني».



سهرة... في عزّ الظهر

ينتهي القداس عند الواحدة، فينطلق بعده المصلّون إلى الديسكو، إذ يخصص اثنان من الملاهي الليلية ظهر الأحد لاستقبال الفيليبينيين وهما (Disco Black Knight تابع لفندق رويال بلازا، وStep Down تابع لفندق نابولي).
يفتح هذان الملهيان أبوابهما يوم السبت من العاشرة ليلاً حتى ساعات متأخرة من الليل، لاستقبال الفيليبينيين (واللبنانيين طبعاً) الذين تسمح لهم ظروف عملهم بالسهر يوم سبت، ويفتحان أيام الآحاد بعد انتهاء القداس، وتستمر «السهرة» حتى الساعة السابعة مساء، يعودون بعدها الى أعمالهم.
ويوضح مدير Disco Black Knight زياد حوراني سبب قصد الفيليبينيين للملهى، «قبل افتتاح الملهى كان هناك المقهى في الفندق، ولاحظنا ازدياد أعداد الفيليبينيين مع مرور الوقت، ما دفعنا الى تقديم مأكولات فيليبينية بداية، ثم بدأوا يطلبون منّا تنظيم حفلات أعياد ميلاد لهم ولغيرهم، عندئذ انطلقت فكرة إقامة الـDisco، وخصوصاً أن رخصته موجودة».