أنطوان سعد
على عكس ما كان سائداً في اليومين الماضيين، بأن اللجنة الرباعية المنبثقة من مبادرة البطريركية المارونية وصلت إلى حائط مسدود وبالتالي إلى فشل، فإن النتيجة التي خرجت بها، بحد ذاتها، تشكل نجاحاً متعدد الجوانب يُمكن للبطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير أن يعوّل عليه من أجل خطوته التالية. وكذلك هي الحال بالنسبة إلى اللجنة الرباعية نفسها، برئيسها المطران سمير مظلوم وأعضائها الياس أبو عاصي، وناجي حايك، ومروان صقر، ويوسف سعادة الذين نجحوا في المهمة الموكلة إليهم واضطروا إلى التوقف عند حد طموحات من يمثلونهم ومصالحهم.
أما النجاح الثلاثي الأبعاد الذي حققه سيد بكركي فهو التالي:
ــ الإثبات، مرة جديدة، أن القيادات المسيحية تُقدّم مصلحتها الخاصة على المصلحة العامة، تماماً كما حصل في عدد من المنعطفات الخطيرة وفي مقدمها استحقاق الانتخابات الرئاسية سنة 1988، عندما فضّلت خيار الفوضى على خيار عدم وصولها أو وصول من تراه مناسباً الى سدة الرئاسة الأولى. وبالتالي فإن الثقة بالبطريرك صفير كمرجعية متجردة وحيدة زادت أضعافاً في نظر الرأي العام اللبناني والمسيحي بالتحديد.
ــ إن مواصفات رئيس الجمهورية التي جرى التوافق عليها بين أعضاء اللجنة الرباعية هي نفسها التي يكررها سيد بكركي منذ استحقاق الانتخابات الرئاسية سنة 1988. وما زادوه عليها، أي تمتع المرشح بصفة تمثيلية مسيحية، لم يكن يوماً شرطاً يفترض توافره برئيس الجمهورية بدليل أن الرؤساء المتعاقبين منذ الاستقلال، خصوصاً الناجحين من بينهم، لم يكونوا متمتعين بصفة التمثيل الواسع، وإن كانوا خرجوا من الرئاسة حائزين على شعبية.
ــ بعد محاولة إشراكه القيادات المسيحية الموالية والمعارضة، على حد سواء، في عملية التشاور في أمر الاستحقاق الرئاسي، وعدم تجاوبها معه بالقدر الكافي، أصبح البطريرك الماروني في حلّ من العودة إلى هذه القيادات. وبات بإمكانه، إذا أراد، أن ينفرد مع مجلس مطارنته، في عملية اقتراح أسماء وسطية للتصويت عليها في مجلس النواب بعد مرورها في مصفاة بري ــ الحريري، أو من دون المرور بها.
أعضاء اللجنة الرباعية يعتبرون أنهم حققوا «نصف نجاح»، بحسب ممثلي المعارضة، و«أكثر من نصف نجاح»، وفق تقويم ممثلي الأكثرية. إذ إنهم اجتمعوا وتفاهموا واختلفوا بالرأي في أجواء من الاحترام المتبادل والودّ، وتمكنوا من التوصل إلى ورقة موحدة من أربعة بنود: مبادئ عامة، مواصفات رئيس الجمهورية، مهامه، وتوصيات.
أما التوصيات فهي خمس، وتتعلق بدعوة القيادات المارونية إلى الاجتماع برئاسة البطريرك صفير والتفاهم في ما بينهم على اسم واحد. وإذا تعذر الأمر على لائحة تُعرض مباشرة على الهيئة الناخبة في مجلس النواب، بعد مشاورات مارونية ومسيحية ووطنية، والعمل على تعزيز موقع المسيحيين كشريك فاعل في المعادلة اللبنانية. فيما شددت المبادئ العامة على ضرورة نبذ العنف، واعتبار نصاب جلسة الانتخاب الثلثان، وضرورة حضور النواب الموارنة الجلسة.
أما بالنسبة إلى البطريرك الماروني، وعلى رغم النجاح الثلاثي الأبعاد المشار إليه، فإنه لم يكن مرتاحاً إلى ما آلت إليه اللجنة الرباعية من نتائج. وكان يود لو أنها تطرقت إلى مسألة الأسماء، وتوصلت إلى لائحة من اسمين أو ثلاثة ترفع إليه. عندئذ يتولى هو مدعوماً بتوافق مسيحي صلب عملية مفاتحة الرئيس نبيه بري والنائب سعد الدين الحريري والتفاهم معهما على إجراء الانتخابات الرئاسية. وقد أعرب في شكل غير مباشر لأعضاء اللجنة الرباعية بعد ظهر أمس عن تمنيه هذا.
سنة 1988، لم يكن سيد بكركي متحمساً لنتيجة الاتفاق الأميركي ــ السوري لأنه سمّى اسماً واحداً، وبدا كأنه أشبه بإخضاع للمسيحيين أو بكسر لإرادتهم وعنفوانهم. وأعرب عن تمنيه لو أن الاتفاق أفضى إلى اسمين على الأقل، ليختار النواب بينهما، في عملية انتخاب تحفظ بعض الديموقراطية. غير أنه دعا النواب المجتمعين في حضرته، صباح يوم جلسة الانتخاب، في الثاني والعشرين من أيلول، إلى إبداء مرونة من خلال تلاوته قصة « السنديانة والقصبة» للكاتب الفرنسي جان دو لافونتين. كان ذلك قبل 19 عاماً ولم يكن البطريرك صفير قد بنى صدقية خاصة تضاف إلى رصيد البطريركية العام ولم يكن قد عاش بعد مأساة الفراغ الرئاسي. لذلك فإن الأمر الأكيد الوحيد هذه المرة هو أنه لن يقبل بدور المتفرج.