برج الشمالي ـ احسان الجمل
شارع ضيق لا يبدو أنّه يقودك إلى مخيم برج الشمالي، بل إلى ثكنة عسكرية حيث يقف الجنود على الحاجز، يسألونك عن الهوية، وخصوصاً إذا كانت ملامحك غريبة عن أهل المخيم الذي يتمتع معظم سكانه ببشرتهم السمراء لكونهم وفدوا من مناطق الغور وسهل الحولة. تزايد عدد سكان المخيم وتشعبت عائلاته التي أصبحت تحتاج إلى مساكن جديدة، وفي ظل عدم التمكن من التمدد الأفقي، هُدمت المنازل المبنية من صفائح الزنك واستبدلت بالباطون المسلح لبناء مخيم جديد ولكن بشكل عمودي ومحكوم سلفاً للمساحات الضيقة التي لا تسمح ببناء منازل فسيحة.
كثيرة هي المشاكل التي يعانيها المخيم نتيجة المنازل القديمة التي تزيد على 500 منزل وتعكس الجوّ سواء أكان بارداً أو حاراً ما يسبّب حالة من الإزعاج والأمراض وخصوصاً التلاسيميا وفقر الدم. ففي مخيم برج الشمالي 52 حالة فقر دم وعدد من حالات التلاسيميا. وتعود أسباب انتشار المرض في المخيم إلى ارتفاع حالات التزاوج والمصاهرة بين الأقارب في عائلات هذه القرى التي تسكن المخيم حالياً، ومن المرجح أنّ أحد العوامل الهامة التي تفاقم انتشار المرض هو عامل الوراثة الناتج من الزواج من ذوي القربى.
لا تخفي أم أمين حسرتها عند الحديث عن معاناة اثنين من أولادها الثمانية (سليم 14 عاماً) وهبة (13 عاماً) ثمرة زواجها على مدى 23 عاماً بابن عمها أكرم (42 عاماً). لسليم مع مرض فقر الدم المنجلي معاناة مبكرة بدأت مع بلوغه الثلاثة أعوام، إذ كان يعاني اصفرار البشرة الدائم وشحوب اللون، والانتفاخ لدى تناوله الحبوب المطبوخة. وهنا تقول أم أمين «إننا شكّكنا في أن يكون لديه داء الصفيرة لكن الفحوص الطبية أثبتت أنه مصاب بفقر الدم المنجلي». 30 غطاساً ينظفون زيرة صيدا
وتشير إحصائية أجرتها إحدى المؤسسات الإنسانية الدولية إلى وجود ما يقارب 700 حالة في لبنان. 10 في المئة منها (70 حالة) في مخيم برج الشمالي.
أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم برج الشمالي محمود أبو رياض بركة قال «إنّ الحالة مزمنة عانينا الناحية الإجرائية، حيث فاقت المشكلة قدرة المخيم، فناشدنا الكثيرين من مؤسسات صحية واجتماعية وإنسانية وشخصيات معنوية، استطعنا أن نحتوي المشكلة لكن دون إيجاد حل جذري لها، بسبب ضعف الإمكانات.
وعلى رغم كثافة المؤسسات الأهلية في المخيم إلاّ أنّ دورها شبه معدوم بسبب قلة الموارد، ويقتصر على الاستعانة بطبيب متخصص يزور المخيم مرة أسبوعياً ويقدم النصائح. وهناك بحسب رئيس جمعية الحولة وبيت أطفال الصمود محمود جمعة سعي لعلاج حالتين سنوياً في ايطاليا.
أمّا الأونروا، المؤسسة المسؤولة عن الجانب الصحي بشكل رئيسي ومباشر فلا تقوم بالدور المطلوب. ويعزو رئيس الدائرة الصحية الدكتور جميل يوسف السبب إلى تقليص في الخدمات.
ويؤكد أمين سر حركة فتح في المخيم أبو باسل «أننا نقوم بإدارة الأزمة من أجل تخفيف نتائجها السلبية، من خلال سلسلة إجراءات وقائية وندوات صحية يشرف عليها طبيب لبناني هو خالد ابراهيم الذي يحوّل البعض إلى عيادة الكرامة التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني من أجل متابعتهم بشكل افضل».
مخيم برج الشمالي الذي يقع في جنوب لبنان، قدّم مئات الشهداء في سبيل القضية، اليوم هو قضية خاصة تحتاج إلى رعاية واهتمام، من مرض التلاسيميا الذي أصبح ملازماً له ويعرف به حيث يتهكّم البعض ويطلق عليه أحياناً اسم مخيم التلاسيميا.