عمر نشابة
مؤسسات الاستخبارات الإسرائيلية ضاعفت قوّتها بعد حرب تمّوز على لبنان. والاتجاه الأساسي لجهودها المموّلة بكثافة هو جمع المعلومات الميدانية عن «حزب اللّه» وكشف بنيته التحتية بعدما فشل الهجوم الإسرائيلي الأخير في تدميرها. وهذا الفشل ملحوظ وواضح، وخصوصاً بعدما حدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه الهدف بـ«بنية حزب الله التحتية». في المقابل، لا شكّ أن أصعب ما في مهمّة رجال المقاومة في الجنوب والبقاع وبيروت اليوم هي الحركة في السرّ. ذلك السرّ الذي يُفترض أن نحترمه إذا أردنا فرض حدود على تحرّكات الاستخبارات الإسرائيلية المتعاونة، لا بل الشريكة لأجهزة الاستخبارات الأميركية والفرنسية والبريطانية واستخبارات الأنظمة العربية المقرّبة من الغرب.
أما بالنسبة إلى الوسائل الإلكترونية وتكنولوجيا التنصّت والتصوير الجويّ والفضائي، فالمقاومة تمكّنت وتتمكّن من التحرّك في مناطق واسعة جغرافياً، مستخدمة وسائل تعطيل الرصد. وفي ذلك مواصفات عملية أمنية غير عسكرية بالمعنى الأكاديمي بل هي منهجيات «بوليسية» تتركز على التخفّي والعمل السرّي. فمقاتلو «حزب الله» يتحرّكون دون أن يتنبّه لهم أحد، لا القريب ولا الغريب.
وما يحيّر الاستخبارات الغربية هو المساحة المحدودة جغرافياً التي يتحرّك في نطاقها المقاومون، وهي لا تتجاوز عشرة آلاف كيلومتر مربّع أي ما هو أصغر بكثير من الأراضي المصرية والسورية حيث تمكّنت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قبل حرب 1967 وبعدها من تحديد التفاصيل الميدانية الدقيقة لانتشار القوى المسلّحة.
لا شكّ أن الفرق بين حرب الـ67 وحرب 2006 كبير وأساسه المقارنة بين المنهجية القتالية للجيش من جهة والمنهجية القتالية للمقاومة من جهة أخرى. لكن أكثر ما هو لافت في هذه المقارنة هو أن هامش تحرّك قوى الجيش النظامي في السرّ أضيق بكثير من هامش تحرّك المقاومة، ما يجعل المقاومة أكثر نجاحاً وفعالية وقوّة من الجيش النظامي في مواجهة الجيش الإسرائيلي المميّز بضخامة ترسانته العسكرية وقدراته الاستخبارية.
إن مهمات المقاومة الميدانية اليوم أكثر دقّة وصعوبة من مهماتها قبل حرب تمّوز أو خلالها بسبب تركيز جهود الاستخبارات الاستقصائية الإسرائيلية والدولية على كشف «البنية التحتية» للمقاومة. يضاف إلى ذلك الانقسام الداخلي الذي لا تقتصر نتائجه السلبية على حرمان نصر المقاومة من حماية الدولة بجميع مؤسساتها بل تتعدّاه إلى مواقف بعض رموز الدولة المعادية للمنهجية الأمنية للمقاومة في الدفاع.