جورج شاهين
أمّا وقد انتهى مؤتمر «باريس ـــ 3»، وبمعزل عن التفسيرات التي سترافق «النهاية السعيدة» التي انتهى اليها بنظر البعض، والجهد الذي يبذله آخرون للتثبت من حجم الهبات والقروض التي وفرها، مقارنة بما أقرّه مؤتمرا «باريس ـ1» و«باريس ـ 2» من أرقام، وما وصل منها الى بيروت بعد سنوات على انعقادهما، فلا بد من العودة الى زواريب بيروت، على خلفية ما شهدته من أحداث أمنية أول من أمس، انفلتت من كل عقال، وتبرأت منها القيادات السياسية والحزبية، وكأن ما حصل اقترفه مجهولون، وانتهت الأحداث مع مغادرة قادتهم من «الطابور الخامس» بيروت الإدارية.
هذه النظرية، بالطبع، واهية وغير مقبولة لخلّوها من أي منطق، ولا يمكن أن يصدقها أحد على الإطلاق. فالناس يعرف بعضهم بعضاً، وهم أبناء حي واحد ويدرسون في جامعة واحدة، وسبق لهم أن تحالفوا والتقوا في أكثر من مناسبة، لذا كان من الأفضل أن تتعاطى القيادات السياسية والحزبية بشفافية أكثر وبصدق أكبر مع الرأي العام، كما مع قواعدها وذوي الشهداء والجرحى على الاقل.
ووسط إجماع القيادات الأمنية والسياسية على أن التشنج السياسي في رأس لائحة الأسباب الجوهرية للصراع وما أخذه من منحى مذهبي مخيف، فإن أسباباً أخرى لا يمكن تجاهلها، منها تسليم بعض القيادات السياسية والحزبية أمرها الى الخارج تعويضاً عن داخل مفقود، ما يدفع البعض الى الاعتقاد بأن ما حصل مجرد جولة، قد تتكرر في منطقة أخرى من المناطق الموضوعة في خانة «المناطق الحساسة».
وفي رأي مراقبين محايدين، فإن القراءة السياسية لما جرى ليست سهلة، في ظل المعطيات غير الثابتة التي أنتجتها أحداث أول من أمس، التي جاءت مكمّلة في اختيار مكانها وتوقيتها والاستعدادات التي سبقتها، للأجواء المشحونة التي عكستها المواقف عشية ما حصل، بما تضمنته من عبارات باتت «مفاتيح سياسية» و«كلمات سر» لا يصعب على من يفهمها ويفقه معانيها، أن يلتزمها من دون نقاش!.
لذلك توسعت دائرة القراءات للنتائج المرتقبة، وهناك من يقول إن حلقة الأمس واحدة من سلسلة حلقات، ستتوالى بإشراف قيادة داخلية وخارجية ستؤدي حتماً الى القول بـ«عجز» اللبنانيين عن إدارة شؤونهم، وإن من واجب المجتمع الدولي القيام بمهماته حفاظاً على لبنان «الدولة الديموقراطية المهددة» في كيانها... الأمر الذي قد يتسبب بانهيار النظام وإثارة الشغب في المنطقة، وخصوصاً عند سقوطه في «أيدي مجموعات» تأتي في المرتبة الثانية لما تمثله «القاعدة» من موجة إرهاب تضرب المنطقة من أفغانستان الى العراق وفلسطين وتهدد «المعتدلين» في المنطقة لحساب «المتطرفين».
غير أن رافضي هذه النظرية المتكاملة، بأسبابها الموجبة والقراءة الكاملة لوقائعها وعناصرها القائمة، لا يرون في ذلك ما يوحي بإمكان الوصول الى هذه المرحلة الصعبة، في ظل الاعتراف الدولي باستمرار قيام مكوّنات الدولة القادرة وعناصرها، معتبرة أن وجود حوالى مئة الف من الضباط والجنود من القوى الأمنية والعسكرية في لبنان يبعد شبح مثل هذه السيناريوهات، ويصعب على أصحاب القرار إثبات الحاجة اليها أو فرضها في أسوأ الحالات.
وما بين هذه القراءات المتناقضة ثمة من يدعو الى الكثير من التروي في توصيف ما يحصل، تأسيساً على ما أنتجته التجارب السابقة التي اقتيد فيها اللبنانيون، على جولات امتدت لعقود من الزمن، الى حيث لا يدرون و لا يريدون!.