strong>غسان سعود
أعادت أحداث الشغب التي تلت اغتيال الوزير بيار الجميل تسليط الضوء على قضية أمن المدافن في بيروت بشكل عام، ومدافن السنطية خصوصاً. فقد اتجهت مجموعات في يوم تشييع الشهيد إلى مدافن الشهداء في منطقة شاتيلا، وانهالت بوابل من الحجارة على ضريح الرئيس صائب سلام، علماً بأن جمعية المقاصد، التي كان يرأسها النائب السابق تمام سلام، هي التي تهتم بمدافن المسلمين السنّة في بيروت. وفي مقبرة الشهداء التي تعرضت للاعتداء أربعة أبواب، على كل منها حارسان يعملان بشكل دائم.
وتجدر الإشارة إلى أن مدافن الباشورا ومقابر الشهداء تعدّ أفضل حالاً بكثير من مدافن السنطية التي ما زالت تنتظر مخطط بلدية بيروت في شأنها بعد أن حالت الحرب الأخيرة دون استكمال التحرك الذي بدأته مجموعة من أبناء العائلات البيروتية العريقة لإخراج مدافن السنطية من حال البؤس والإهمال.
وفي السنطية، حسبما يروي المهندس خالد الداعوق، دفن سنة 1858 الشيخ أحمد الأغر مفتي بيروت وقاضيها. وسنة 1886 أول رئيس لمجلس بلدية بيروت عبد الله حسين بيهم. وسنة 1949 عمر الداعوق رئيس المجلس البلدي في بيروت ورئيس اول حكومة عربية تألفت سنة 1918، إثر سقوط الحكم العثماني، إضافة إلى عدد من المفتين وكبار عائلات بيروت.
يذكر الداعوق أن الشركة الاحتكارية لوسط بيروت (سوليدير) استملكت مدافن السنطية خلافاً للقانون لأسباب عدة، أبرزها أنّ المدافن تعتبر وقفاً. والوقف لا يباع ولا يشترى. مع العلم أن الشركة دفعت لجمعية المقاصد مبلغ ثلاثة وثلاثين مليوناً و957 ألف دولار تقريباً بتاريخ 31/5/1994 ثمن عقار تبلغ مساحته 4851 متر.
ويقول الداعوق إن المقاصد كانت مكلفة الاهتمام بالمدافن، وبالتالي هي ليست مالكة، ولا حق لها بالبيع. ويستغرب في هذا السياق عدم تعليق المفتي محمد رشيد قباني على الموضوع بالرغم من قوله بتاريخ 17/6/1977 إنه «لا يجوز بيع الأوقاف ولا البدل». وتأكيده لنشرة «الرسالة الاسلامية» بتاريخ 18/6/1977 أن الأوقاف استرجعت جميع الأوقاف الإسلامية. وكان قباني يومذاك مديراً للأوقاف الاسلامية.
ويشير المحامي عدنان بدر في هذا السياق إلى أن المادة 174 من قانون الملكية العقارية ينص على عدم جواز بيع العقار الموقوف ولا يجوز التفرغ عنه لا مجاناً ولا ببدل ولا انتقاله بطريق الإرث، ولا يجوز رهنه أو عقد تأمين عليه، غير أنه يمكن استبداله وإجراء الإجارتين والمقاطعة عليه". وبعدما ثبت أن المجلس الشرعي غير موافق على بيع عقار مدفن السنطية، عمدت سوليدير إلى وضع العقار المذكور بتصرف بلدية بيروت التي وضعته بدورها ضمن أملاك الجرد العام. وكان رئيس بلدية بيروت عبد المنعم العريس سبق أن صرح بعد لقاء مع المفتي قباني خصص لبحث قضية السنطية في أواخر العام الماضي، أن المجلس البلدي اتخذ قراراً بالمحافظة على حرمة مقبرة السنطية، وعلى حرمة المدفونين فيها، لكن كل ما حصل، بعد أكثر من 15 عاماً على وقف الحرب واختفاء غالبية شواهد القبور وتحويل أرض المقبرة إلى موقف للسيارات خلال عدة سنوات، كان إقامة عوائق حديدية تعوّق دخول البعض إلى المقبرة.
كل ذلك، يدفع الداعوق وعدداً من الوجوه البيروتية العريقة إلى إعادة إطلاق حملة للمطالبة بإعادة المدافن إلى الأوقاف الاسلامية، وتعويض عامل استثمار العقار، وإقامة نصب تذكاري في المقبرة يحمل أسماء كل المدفونين. وتعويض سوليدير مالياً للأوقاف جراء تعدّي أحد مستثمري عقار مجاور على قرابة مئتي متر من أرض المقبرة. ويلفت الداعوق إلى أن مستثمري العقار المجاور للمقبرة وجدوا عظاماً ورفاتاً أثناء عملهم، ما يؤكد تعديهم على أرض المقبرة. بالرغم من نفي سوليدير هذا الأمر واستغرابها تكرار الداعوق له.
ويؤكد الشيخ هشام خليفة وجود فتاوى شرعية تمنع التعدي على القبور أو نبشها، أو نقل الرفات إلا في حالات طارئة مثل الفيضانات والزلازل. فيما يرى المحامي رشيد جلخ عضو المجلس البلدي في بيروت أن الأمن في المدينة ليس من اختصاص البلدية بأي شكل من الأشكال. ويلفت إلى التنسيق مع سوليدير من أجل تجميل مدافن السنطية عبر زرع عدد من الأشجار. ويلفت إلى أن المجلس البلدي اطّلع أخيراً على ملف المقبرة وهو غير معني بكل الاتهامات التي تساق.