نقولا ناصيف
على أهمية تطورات الساعات الـ48 الأخيرة التي تنذر بأكثر من تصعيد الى حدّ يحمل على الخشية من تفلّت الوضع من أيدي اللاعبين المحليين، بدت جهات واسعة الاطّلاع، وثيقة الصلة بأكثر من ديبلوماسي في سفارة دولة كبرى في لبنان، معنية بمتابعة تطورات الانتخابات النصفية الأميركية في 7 تشرين الثاني لاختيار أعضاء مجلس النواب وثلث مجلس الشيوخ في الثلاثاء الأول من هذا الشهر. وتعتقد هذه الجهات أن انتقال السلطة في الكونغرس الأميركي، بمجلسيه، من شأنه التأثير في مسار السياسة الشرق أوسطية للرئيس جورج بوش في المناطق الأكثر سخونة، وهي العراق وفلسطين ولبنان، أضف الى ذلك المسار الذي تسلكه العلاقات الأميركية ـ الإيرانية والأميركية ـ السورية والمفتوح على احتمالات مختلفة. واستناداً الى معطيات توافرت لديها من تقارير ديبلوماسية أميركية، خلصت الجهات الواسعة الاطلاع الى تسجيل ملاحظات، منها:
1ـــ لن تكون السيطرة المريحة للديموقراطيين على مجلس النواب مصدر إقلاق لبوش وسياسته الخارجية التي لن تصطدم بعقبات أساسية من لجنة الشؤون الخارجية (يُتوقع أن يترأسها توماس لانتوس). إذ من خلالها تمر عادة الضغوط المحتملة على إدارة بوش. ومع أن الديموقراطيين يتصرّفون تبعاً لطريقة إحصاء الأصوات الوافرة التي سيحصلون عليها قياساً بخصومهم الجمهوريين، فإن في صفوفهم مَن يعتقد أن لجنة الشؤون الخارجية هي المجرى الرئيسي للسياسة الخارجية، وان بين هؤلاء مَن يرى أن للخروج من العراق طرقاً سهلة. ورغم كونه ديموقراطياً، يوصف لانتوس، وهو نائب كاليفورنيا ذو الجذور الأوروبية الشرقية، بأنه يقف الى يمين بوش والمحافظين الجدد نظراً الى تأييده الشديد للصهيونية. وكان قد زار لبنان قبل أشهر واجتمع بمسؤولين حكوميين، مستثنياً رئيس الجمهورية إميل لحود. أما بالنسبة الى مجلس الشيوخ، فيبدو التكهّن بمَن سيترأس لجنة الشؤون الخارجية أمراً غامضاً. وإذا فاز الديموقراطيون يتردّد أن المرشح الأوفر حظاً لترؤسها هو جوزف بايدن. في المقابل فإن خسارة الجمهوريين الثلث المنتخب في مجلس الشيوخ سيؤول، وبحسب التقرير الديبلوماسي، الى تحوّل السياسة الشرق أوسطية لبوش «بطّة عرجاء». على أن التقرير لا يجزم بخسارتهم.
2 ــــــ يحاول مسؤولون أميركيون التحوّط باكراً لصدمة تغييرات محتملة في الشرق الأوسط والتخفيف من وقعها، وأولها وأهمها في العراق. وهم يعترفون منذ الآن بأن الإدارة في صدد تغيير سياستها. وعكس جانباً من ذلك المؤتمر المشترك الذي عقده السفير الأميركي في بغداد زلماي خليل زاد، وقائد قوات التحالف في العراق الجنرال جورج كيسي الأسبوع المنصرم، إذ يقتضي أن يُنظر الى خروج محتمل على أنه بداية «استراتيجيا خروج» تعتمد، كما يقول مسؤول في الخارجية الأميركية، على فرضية «أن العراقيين عندما يستوعبون أننا سنغادر يبدأون بالسيطرة على مقدراتهم وأخذ مصيرهم على عاتقهم الذاتي».
3 ــــ يعتقد مسؤولون أميركيون أن التطور المرتقب في الكونغرس يوفّر قوة معنوية للدول المعنية في الشرق الأوسط. فالأنظمة الصعبة كسوريا، يقول التقرير الديبلوماسي، ستضطر أن تستنتج أن عليها انتظار خروج بوش من الرئاسة بعد سنتين، مطلع 2009، كما أن الدول العربية الحليفة للأميركيين كالسعودية ومصر التي تعتمد أحياناً «أجندة حرة» تعدّ العدة أيضاً لمرحلة ما بعد الرئيس الأميركي الحالي. ويشير التقرير الديبلوماسي الى أن «مبدأ التخطّي» الذي يعوّل عليه الديموقراطيون وهم على أهبة استعادة الكونغرس يشكّل أساساً لسياسة خارجية جديدة في المنطقة بلا مواجهات.
4 ـــــ يظل الملف الإيراني، في حساب الجمهوريين والديموقراطيين على السواء، مثار مناقشة مفتوحة، وخصوصاً أن الطرفين يريان أن «الخطر الإيراني»، الموصول بتصاعد قوة الشيعة في العراق ولبنان، قد دفع دولاً عربية سنّية الى إعادة النظر إيجابياً في دعم السياسة الشرق أوسطية لبوش. وهذا ما يصح خصوصاً، استناداً الى التقرير الديبلوماسي، على دولتي الإمارات العربية المتحدة والبحرين اللتين تحاولان تعزيز التقارب مع واشنطن بسبب تنامي الخطر الإيراني. يصحّ الأمر كذلك، وفق ما يُنقل عن مسؤولين حكوميين أميركيين، على السعودية، الدولة الخليجية الأقوى، التي تبدو غير محصّنة وتبحث عن وسائل جديدة تحد من وطأة التنامي المتزايد للنفوذ الشيعي في المنطقة.
5 ـــــ يشكّل الموقف من سوريا أحد المرتكزات الديبلوماسية الرئيسية في مقاربة استقرار المنطقة. وتبعاً لما ينسبه التقرير الديبلوماسي الى مسؤولين في الخارجية الأميركية، يواجه الرئيس بشار الأسد «علاقات صعبة» مع دول عربية عديدة بسبب تحالفه مع إيران والذي يؤدي باستمرار الى تصعيد «حزب الله» استفزازه لإسرائيل، ولم يكن الأمر ليحصل لو أن والده الراحل الرئيس حافظ الأسد هو الذي يحكم سوريا. وإذ يلمس المسؤولون الأميركيون أنفسهم عتباً عربياً على دمشق، يلاحظون أن دولاً أوروبية تسعى الى تطبيع علاقاتها بها من خلال تسلّح الدول هذه بحجة يرفضها الأميركيون، وهي أن «علاقات جيدة» بسوريا تفضي الى نتائج مجدية نظراً الى فاعلية دورها في العراق ولبنان وفلسطين، بالإضافة الى إيران. أما الحجة المقابلة التي يقول بها الأميركيون لدحض الأدعاء الأوروبي، فهي أنه ليس في وسع سوريا أن تكون صاحبة سلطة تقريرية في الملفات هذه من غير أن تحظى بدعم واشنطن. الأمر الذي لن تمنحها إياه إدارة بوش.
والواقع أن القرار 1559 قاد الى تناوب أدوار السيطرة على النقاط الساخنة في المنطقة. قبله كان النفوذ لسوريا في العراق ولبنان وفلسطين، وبعده أضحى في عهدة إيران.
على أن التقرير الديبلوماسي ينسب كذلك الى «مصادر مطلعة جداً» أن بوش يفكر في زيادة الضغوط على سوريا لخشيته من أن تعمد الى بثّ فوضى في لبنان تدفع بالحكومة التي يرأسها «حليف رئيسي للغرب» ـ بحسب ما يورد التقرير ـ هو الرئيس فؤاد السنيورة الى خارج السلطة. وتُعبّر هذه الخشية عن مخاوف أميركية جدية من إمكان نجاح الرئيس السوري في تجاوز الإرتباك الحالي الذي تواجهه الحكومة اللبنانية إلى الإيقاع بها وإسقاطها. ويقترن التأييد الأميركي غير المشروط لحكومة السنيورة بالعمل على إنجاح مهمة القوة الدولية المعزّزة في جنوب لبنان تنفيذاً للقرار 1701. وهذان الهدفان، في رأي واشنطن، هما السبيل الفعلي الى تحقيق استقرار في لبنان.
ووفق ما يورده التقرير على لسان مسؤولين في الخارجية الأميركية، فإن واشنطن ربما وجدت وجهاً جديداً لعقوبات إضافية على نظام الأسد يقضي بفرض حصار على السلاح المرسل الى سوريا، الأمر الذي ينعكس ضغطاً موازياً على إيران نظراً الى العلاقات الوثيقة بين الدولتين. ويلاحظ هؤلاء أن مواصلة إسرائيل طلعاتها الجوية في الأجواء اللبنانية وصولاً الى الحدود اللبنانية ـ السورية يُضعف قوة الحكومة اللبنانية وفاعليتها، ويُدخل عامل التوتر الى دور القوة الدولية المعزّزة المعنية بإنهاء الإنسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي اللبنانية ووقف انتهاك السيادة اللبنانية. وترافقت هذه الانتهاكات مع تحليق طائرات إسرائيلية فوق سفن فرنسية وألمانية قبالة الشاطئ اللبناني، ولم تحترم إسرائيل غضبة الأوروبيين المشاركين في القوة الدولية المعزّزة من جراء هذا التصرّف الذي يُعدّ مخالفة صريحة لقرار وقف النار. وربطت الأمر بإطلاق جندييها اللذين لا يزالان أسيرين لدى «حزب الله».