يقال إنّ في رصيد علي ابراهيم الحجار ما يتجاوز ثلاث آلاف أغنية. يكفي أن أغانيه لتترات المسلسلات تجاوزت المئة. هو المشروع الصوتي الأكثر أهمية في مصر. منذ أن تبناه وأنتج له الموسيقار بليغ حمدي وأطلقه بأغنية «على قد ما حبينا» سنة 1977، بعدما تتلمذ على يد حمدي لمدة سنتين. الأغنية التي كتبها له عبد الرحيم منصور جعلت علي الحجار الرقم الأصعب بين أصوات جيله، الى يومنا هذا. نفس منتظم وطويل، طاقة وقدرات صوتية مكتملة الجودة والمساحات. قماشة أوتار نادرة، تقنية عالية مع صوت عريض وقوي لكن مريح للأذن. أطلق عليه في مرحلة من المراحل لقب «مطرب المثقفين». كان لقب حق، أريد به باطل بهدف إبعاده عن ساحة المنافسة التقليدية. نجح منافسوه في ترسيخ هذا المفهوم لدى العامة. تظهر عظمة علي الحجار من خلال آراء أبناء جيله. مدحت صالح يقول عنه «الأستاذ»، بل يضيف انه أمتحن ونجح في إحدى أغنيات علي الحجار وهي «بلادي يا بلادي» (ألحان محمد الشيخ). محمد منير يقول بأنه في كل مرة يغني فيها علي الحجار، يؤكد أنه الأفضل.. صوت أسطوري كما وصفه الكاتب ابراهيم عيسى. حنجرته استثنائية وفق النقاد. اذ أن استمراره بنفس القدرات في عمره أمر يدعو للاعجاب.لم يكن صعباً على شاعر العامية المبدع صلاح جاهين ولا على الموسيقار سيد مكاوي اختيار من سيقوم بتأدية «الرباعيات». صوت علي الحجار كان حاضراً بقوة، إلى درجة أنّ بليغ حمدي أنتج كاسيت «الرباعيات» بنفسه بالرغم من عقد الاحتكار. بل شجع علي الحجار على تلك الخطوة على اعتبار أنها فرصة لا تتكرر. خطوة أدخلت صوت علي الحجار من الباب العالي الى مسامع المصريين. من ذا الذي يجيد الأداء بتلك الطريقة، فيتنقل بين المقامات بهذه السهولة. سهولة وأداء جعلت الشاعر سيد حجاب ورفيق عمره الموسيقار عمار الشريعي يضمان علي الى أسرة تتر مسلسل «الأيام» رائعة طه حسين. هذا المسلسل الذي ضم انطلاقة علي الحجار، الى جانب انطلاقة النجم الراحل أحمد زكي، تبعه العديد من تترات المسلسلات، ليس فقط كمقدمة ونهاية، بل وما يتخلل متن المسلسل من أغنيات حتى تجاوزت المئة: «الشهد والدموع»، «مسألة مبدأ»، «ابو علا البشري»، «بوابة الحلواني»، «المال والبنون»، «حدائق الشيطان» حتى تجاوز الرقم المئة عمل.
حضور الحجار في الاحتفالات القومية علم من أعلام الأوبريت المصري. من الصعوبة بمكان ايجاد مقعد شاغر في حفلة من حفلات علي الحجار. وهو المقتنع بأن الأذواق تتغير فلا حول ولا قوة. بل اعتبر أن الطلب الدائم على «رباعيات» صلاح جاهين، وأغانيه المشهورة كـ «تجيش نعيش» و«عنوان بتنا» و«مكتوبالي» و«عابر سبيل» و«ريشة» أو «صلينا الفجر فين» كأغنية دينية، يجعله راضياً ومكتفياً بما قدمه. يصعب تقليد أسلوب علي الحجار. تقديمه لأغاني الكبار أمثال محمد فوزي مثل أغنية «داري العيون» أو أغنية «جفنه علم الغزل» يجعلك الى حد ما تعتقد أنه يصعب الأمر على المغني الأصلي، فيظهر مناطق في صوته تجبرك على مقارنته مع الكبار، وعزله عن المطربين العاديين. بعض النقاد يقولون إن علي الحجار صعب لدرجة أن عامة الشعب لا تقدر على دندنة أغانيه.
طفولة قاسية عاشها علي الحجار، وهو المولود في إحدى قرى الجيزة الفقيرة، انتقل الى حي امبابة الشعبي، وهو المتخرج من كلية الفنون الجميلة.. يجزم علي أن العائلة عاشت حياة فقر قاسية، فكان الأطفال ينامون من دون عشاء، واضطر للعمل منذ صغره، فكان يرسم. واجه رفضاً من والده استاذ الموسيقى ابراهيم الحجار الذي عانى وفق علي من الظلم عندما تم ابعاده عن عمله الموسيقي بسبب اسم عائلة الحجار. موقف لم ينسه الابن طوال عمره الذي يدمع في كل مرة يُسأل فيها عن أثر والده الفني والروحي في مسيرته. يقال إنّ ذاك هو السبب الأساس للفتور بين علي الحجار وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.. جرح في الصميم وثأر حمله علي الحجار طيلة مسيرته الفنية، إذ اعتبر أنّه لم يسع يوماً للقاء «موسيقار الأجيال» عكس جميع المطربين، وأن الضائقة المالية التي أصابت العائلة سببها الموسيقي المصري محمد حسن الشجاعي المشرف على مراقبة الموسيقى والغناء ومدير الاذاعة حينها، وأولئك الذين عزلوا والده عن عمله بسبب اسم العائلة (أحدهم عبد الوهاب الذي كان راضياً عن هذا القرار وفي أحسن الظن تغاضى عنه) فاضطر أن يعمل «كورالاً» لتلامذته للحفاظ على دخله. أقد يكون علي الحجار المطرب المصري، بل العربي الذي طلب منه عبد الوهاب منه أن يزوره، فأجابه بالمصري «عندي شغل هكلمك بعد ما خلص من نهار السبت».
امتداداً للفتور مع موسيقار الأجيال، لم تنجح علاقته مع «صوت الفن»، وقد كانت في حينها أهم شركات الانتاج الفني. حادثة ذكرها مدير الشركة المحامي مجدي العمروسي. أما علي الحجار فيعتبر أن شخصيته وامكاناته لا تعني أن يقبل الكلام واللحن من أي كاتب حتى لو كان مشهوراً.
قلة من الفنانين تنتقد نفسها امام الشاشة من دون كلفة، وعلي الحجار منهم. هو ينتقد زيجاته الكثيرة، وعدم نضوجه في علاقته مع طليقته مشيرة اسماعيل وعدم قدرته على التسويق لنفسه أو لمستوى فنه. ويضيف أنه يفتقد للذكاء الاجتماعي. في مقابل كل ما سبق، لا يساوم على امكانياته الصوتية والمعرفة الموسيقية التي يختنزها من خلال دراستة والمامه. صُنِّف الحجار أخيراً من خلال الأزهر كقارئ للقرآن. لا جديد سوى التأكيد على أن قدراته الصوتية تفوق حضوره في ميدان الفن حتى يومنا هذا.
في الرابع من شهر كانون الأول (ديسمبر) من السنة الحالية، فقد علي الحجار أخاه الذي يصغره بسنة ونصف السنة، المطرب والملحن أحمد الحجار. أصيب الابن الأكبر لآل الحجار بوعكة روحية. فأحمد الحجار لحن العديد من أغاني أخيه الأكثر شهرة، وشكل له سنداً موسيقياً. نعاه بأغنية «أبويا الحبيب» مع منى الشاذلي واستبدل كلمة «أبويا» بـ «أخويا». الأغنية كان قد غناها أحمد الحجار" للوالد ابراهيم الحجار. بدا علي الحجار مكسوراً بعد وفاة أخيه، وهو المتأثر به لدرجة تسمية ابنه أحمد.
في الآونة الأخيرة وبعدما توسع دور مغني المهرجانات، ازدادت دعوات علي الحجار إلى البرامج التلفزيونية. من غير المعلوم إن كانت مسألة حضوره تشكل ردة فعل لدى القيمين على الفن بشكل مباشر أم غير مباشر. اذ يمثل علي الحجار مشروعاً فنياً متكاملاً، من خلال أدائه وصوته، وتمثيله المسرحي والتلفزيوني، وأغانيه الوطنية والسياسية كأغنية «لم الشمل» التي أتت رداً على حرب الخليج الأولى. مختلف علي الحجار في تقييمه للفن الآخر. اذ أنه من القلة التي لا تهشم صورة فن أياً يكن شكله، بل قد يكون الوحيد الذي يمدح الجميع، ويقبل تنوع الذائقة الفنية، من دون أن يدخل في تقييم الصوت كامكانيات. ردة فعل البرامج المصرية قابلها الحجار بحضور وتاريخ تجاوز الأربعين عاماً، وبسعة صدر قل نظيرها. في المقابل، يقدر الحجار لدى الجيل الجديد. وهذا ما تبين مع تامر حسني الذي قام بأداء أغنية «عارفة» للحجار، وهي من كلمات بهاء صلاح جاهين، وألحان عمر خيرت، وقد أثنى الحجار على جميع من يقدر حضوراً لمصر من خلال الفن. وهكذا عبر عن رأيه بعمرو دياب. يبدو وقع حضور الحجار لدى الجيل الجديد كأمثال حسني بما يقال عنه بأنه أحد الأصوات المعلمة التي يجب دراستها. في المقابل تظهر أهمية علي الحجار في تعففه عن المنافسات الصغيرة التي من شأنها اضعاف هيبة الفن الراقي الذي قدمه من خلال معرفته للكبار.
.