أواخر عام 2017، وافقت المديرية العامة للتعليم المهني والتقني على استحداث 14 «مشروعاً مشتركاً» مع القطاع الخاص خلال أشهر قليلة، ووظّفت نحو 30 شخصاً بموجب عقود تتجدد سنوياً من دون أن ترصد لها موازنات خاصة بها. تضاف هذه المشاريع إلى «مشاريع مشتركة» سابقة، وهي عبارة عن معاهد أو مدارس مهنية تموّلها الدولة، وتديرها لجنة تنفيذية مؤلفة من ممثلين عن مديرية التعليم المهني وعن مؤسسة خاصة. وتعتمد، للتعاقد مع الأشخاص الذين يتقاضون تعويضاتهم، الشروط والأصول المحددة للمتعاقدين مع الإدارات العامة. إذ يوقع المدير العام للتعليم المهني والتقني العقود، بناء على اقتراح اللجنة التنفيذية.في المبدأ، يُفترض أن تكون لهذه المؤسسات الخاصة أهداف تعليمية وتنموية، وأن تسهم في تقديم البناء أو التجهيزات أو الخبرة أو المساهمة المالية. كما يشترط أن يقدّم المشروع المشترك ما هو جديد للتعليم المهني، مثل تخصصات أو نماذج تدريبية لا توفرها المديرية، وأن تؤسس هذه المشاريع في مناطق لا توجد فيها مدارس مهنية أو تقنية رسمية تقدم اختصاصات مطابقة للاختصاصات التي يقدمها «المشروع المشترك».
هذا في قرار تنظيم المشاريع المشتركة بين المديرية العامة للتعليم المهني والقطاع الخاص أو القطاع العام 326 /2005. أما في الواقع، فقد باتت «المشاريع المشتركة» تنفيعات، تستفيد منها المؤسسة الخاصة بتوظيف الأقارب والمحسوبيات باعتبار أنها تقدّم البناء وفي بعض الأحيان التجهيزات، فيما لم يحدث أن قدّمت الخبرة أو المساهمة المالية. و«المشاريع المشتركة» لم تنشأ يوماً لغايات تربوية وبناءً على دراسات جدوى كما ينص القرار، بل لأهداف تنفيعية شخصية وتوظيفية للقوى السياسية من دون استثناء، فلكل طرف حصة في كل منطقة.
توظيف مخالف للقانون في المشاريع الـ14 المستحدثة


ففي منطقة الخيام (قضاء مرجعيون) مثلاً، أقفلت المهنية الرسمية وأنشئ «مشروع مشترك» باسم «معهد شهداء الخيام» يعمل فيه عشرة موظفين بموازنة 268 مليون ليرة سنوياً، مع العلم أن تجهيزات المهنية الرسمية موجودة منذ أكثر من عشر سنوات في مخازن المعهد المشترك على سبيل الأمانة! والأمر نفسه تكرر في أبي سمرا (طرابلس) حيث حلّ «معهد السعادة الفني» مكان المهنية الرسمية. وفي تبنين (قضاء بنت جبيل)، يشغل «المشروع المشترك» الذي تديره بلدية تبنين والمديرية العامة للتعليم المهني مبنى متوسطة رسمية تابع لوزارة التربية. وفي صيدا، مشروع مشترك باسم «مركز التدريب المهني والتقني للشباب» محسوب على النائبة بهية الحريري، وآخر باسم «مهنية الجوزو» في برجا (اقليم الخروب) تابع لمفتي جبل لبنان محمد علي الجوزو.
معهد التمريض في بئر حسن (بموازنة مليار و100 مليون ليرة تساهم فيها وزارة الصحة) والمعهد الفني السياحي في الدكوانة (بموازنة نحو 800 مليون ليرة)، هما الآخران ليسا مهنيتين رسميتين، بل مشروعان مشتركان مع القطاع العام، الأول مع وزارة الصحة، والثاني مع وزارة السياحة، وهما يشغلان مباني تابعة للمديرية العامة للتعليم المهني، والتوظيف فيهما من خارج الملاك الإداري الرسمي.
أما المشاريع الـ14 التي افتتحت أخيراً فقد استحدثت أيضاً إرضاء لقوى السياسية، إذ أن من بينها 5 معاهد مشتركة بين المديرية العامة و«جمعية العزم والسعادة» التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي، وهي «معهد الفيحاء الفني»، «معهد السعادة الفني» في أبي سمرا، «معهد السعادة الفني» - عكار، «معهد السعادة الفني» - الضنية، و«معهد العلوم والسعادة في طرابلس» (لم يفتتح بعد). أضف الى ذلك، «معهد سير الضنية الفني» المحسوب على النائب السابق أحمد فتفت (تيار المستقبل)، ومعهد الحيصة الفني ومعهد الإمام الصادق - جبل محسن في طرابلس (حركة أمل)، ومعهد التمريض في بشامون ومعهد انماء راشيا (الحزب الاشتراكي).
المشاريع الـ14 المستحدثة تندرج في ملفّ التوظيف العشوائيّ خلافاً للمادة 21 من قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي افتتحته، أخيراً، لجنة المال والموازنة النيابية وتعقد الاجتماعات المتتالية بشأنه. 56 موظفاً جديداً جرت الاستعانة بهم في هذه المشاريع بعد صدور قانون السلسلة في 21 آب 2017. وقد وقع العقود المدير العام السابق للتعليم المهني والتقني أحمد دياب، بناءً على اقتراح اللجنة التنفيذية للمشروع.
وبما أنّ المشاريع الأخيرة استحدثت من دون أن ترصد لها اعتمادات، لجأ المعنيون، بحسب مصادر إدارية معنية، إلى الصندوق الداخلي في المديرية العامة لتأمين موازنة العام الدراسي 2016 - 2017، باعتبار أنّ المساهمة في تنفيذ المشاريع المشتركة إحدى مهام الصندوق. إلاّ أن الأموال التي كانت متوافرة فيه آنذاك لم تكن تتجاوز 220 مليون ليرة، لذا جرى تحويل نحو مليار و400 مليون ليرة من صندوق التعاضد، بشكل مخالف للقانون، كون الأخير مخصصاً لتسيير أمور المعاهد والطلاب فحسب. بعدها، أصدر ديوان المحاسبة، في 26 كانون الأول 2018، قراراً طلب فيه التريث في بت إعطاء المساهمة المالية المخصصة للمشاريع المشتركة الـ14.
اليوم، ليست هناك موازنات للمشاريع الجديدة والموظفون لا يقبضون، علماً بأن هؤلاء يعيشون قلقاً جدياً لجهة التعامل مع رزمة القروض والاستحقاقات الشهرية، وهي في الواقع باتت جزءاً لا يتجزأ من حياة كل الموظفين من دون استثناء.