الاستعصاء. تبدو هذه العبارة، اليوم، الأنسب لوصف ما يجري في «قطاع» الدواء، مع استحالة الوصول إلى حلولٍ تُعفي المرضى من فقدان أدويتهم الأساسية. يوماً بعد آخر، تترسّخ الأزمة أكثر فأكثر. أدوية كثيرة مفقودة اليوم بشكلٍ كلّي من السوق وأخرى يوزّعها الوكلاء وأصحاب المستودعات بـ«الحبّة» على الصيدليات، رغم أن معظمها مما لا يمكن للمرضى الاستغناء عنه. ماذا بعد؟ نحو الكارثة التي مهّد لها مصرف لبنان الطريق، الأسبوع الماضي، مع إصداره بيان إعلان جفاف مصادر التمويل لديه.[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
في الأيام القليلة الماضية، علت صرخة الأطباء والمستشفيات إثر التقنين القاسي في أدوية البنج، ولا سيما دواءَي propofol وesneron وغيرهما، ما اضطر المستشفيات إلى تعليق العمليات الجراحية الباردة والاكتفاء بتلك الطارئة. اليوم، وصلت «الموسى» إلى المختبرات، الخاصة والتابعة للمستشفيات، مع الشحّ الكبير في الكواشف الطبية (مواد كيميائية تُستخدم في التحاليل المخبرية)، وفقدان بعض الأنواع منها، ما أدى إلى «إلغاء» بعض الفحوص الطبية أو الامتناع عن إجراء فحوص أخرى لـ«التوفير» في الكواشف، أو في أحسن الأحوال إرسال الفحوص الضرورية إلى الخارج، مع ما يعنيه ذلك من مصاريف كبيرة.
ولإطالة «عمر» الكواشف المخبرية الموجودة حالياً، قرّرت المستشفيات أخيراً الامتناع عن استقبال مرضى من غير مرضاها لإجراء فحوص في مختبراتها، وذلك «لتوفير الكواشف للمرضى داخل المستشفى»، على ما يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون. إذ لا مفرّ من «التقنين» لضمان علاج «من هم في المستشفى والذين تُعدّ حالاتهم الطبية أدقّ». ويُرجع هارون القرار إلى التقنين الذي يمارسه أصحاب المستودعات ومستوردو المستلزمات الطبية بدورهم، بسبب «احتجاز معاملاتهم في مصرف لبنان، إذ يعمد هؤلاء إلى تشحيل الطلبيات أو بيعها على أساس السعر غير المدعوم».
سعر الكاشف المخبري بات أغلى مما يتقاضاه المختبر من المريض


مع ذلك، لم تُسعف هذه الإجراءات المستشفيات، فقرّر بعضها «تسكير» مختبراته، على ما تقول نقيبة أصحاب المختبرات الطبية الدكتورة ميرنا جرمانوس، مشيرة إلى إقفال مختبرات مستشفيات المقاصد والحريري الجامعي والروم. ومع النقص الحاد في الكواشف المخبرية، تجزم أن «مختبرات أخرى ستتخذ القرار نفسه». الأمر نفسه ينسحب على المختبرات الخاصة التي تقفل هي الأخرى. وإن كانت جرمانوس لا تملك عدداً دقيقاً لها، إلا أنها تلفت إلى أن المختبرات اليوم «تعسّ»، وغالبيتها لا تملك العدد الكافي من الكواشف للعمل، ومع الوقت «رح تسكّر لحالا». في انتظار ذلك، ابتكرت المختبرات آلية عملٍ جديدة، ترتكز على استبعاد الفحوص غير الطارئة والتي تخصّ حالاتٍ باردة. أما في حال كانت الحالة دقيقة، فـ «نجري الفحوص ونرسلها إلى الخارج نظراً إلى فقدان المعدات الخاصة لإصدار النتائج»، على ما يقول أحد أصحاب المختبرات. وبسبب كلفة «تسفير» الفحوص، تُعلم المختبرات الزبائن بأن «عليهم الدفع كاش بالدولار لأننا مجبرون على الدفع للمختبرات في الخارج بالدولار، وبعدها يقومون بتحصيل أموالهم من الجهات الضامنة والتأمين».
تُرجع جرمانوس الأزمة إلى 3 أسباب: «أولها تأخّر معاملات المستوردين للكواشف والمستلزمات الطبية في مصرف لبنان، والكثير منها عالق منذ 6 أشهر هناك»، وهو ما يدفع الوكلاء للتقنين في التسليم، وإن «سلّموا فعلى سعر صرف السوق». يضاف إلى ذلك، الفارق في التسعير بين أسعار المستلزمات وأسعار الجهات الضامنة. أما ثالث الأسباب، فهو التأخر في دفع مستحقات المختبرات من الجهات الضامنة، والحسومات «غير المبرّرة». لأجل ذلك «صرنا نصلّي ما يجي حدا يفحص السكري»، تقول جرمانوس آسفة، نظراً إلى أن سعر الكاشف بات أغلى مما يتقاضاه المختبر من المريض!