للمرة الأولى، دخلت الدراما السورية إلى عالم ذوي الاحتياجات الخاصة. لكنّ أداء بسام كوسا الممتاز، وعفوية علاء الدين الزيبق لم ينقذا العمل من بعض الفجوات
وسام كنعان
قبل أيام، أطلّ المخرج سمير حسين على شاشة «سوريا دراما» ليخبرنا أن نص مسلسله «وراء الشمس» (تأليف محمد العاص) أعيدت كتابته نحو سبع مرات قبل أن يظهر في صيغته النهائية. والغريب أنّ عملية إعادة الكتابة المتكررة لم تمنع النص من السقوط في أخطاء جسيمة تَمَكَّن المُشاهد من التقاطها أثناء متابعته العمل.
لكن قبل الغوص في تفاصيل هذه الأخطاء، تبقى الإشارة ضرورية إلى أن فكرة دخول الدراما السورية إلى عالم ذوي الاحتياجات الخاصة مبادرة تستحقّ التشجيع. كذلك، فإن الجرأة التي عولج فيها الموضوع، واستعانة صنّاع العمل بعلاء الدين الزيبق المصاب فعلاً بـ«متلازمة داون ـــــ Down Syndrome» ليجسّد إحدى الشخصيات الرئيسية، مثّلا خطوة جديدة. ولا يمكن أن ننسى أن النجم بسام كوسا برع في تأدية دور الرجل المصاب بالتوحّد. لكن لم يرافق أداء كوسا المميّز أي تصعيد درامي، رغم أن بدر (كوسا) يتعرّض لأزمات عدة، منها دخول والدته (منى واصف) في غيبوبة، ومغادرة أخته الوحيدة (ميسون أبو أسعد) المنزل، ثمّ إرسال الشرطة له إلى مستشفى خاص بالمصابين باضطرابات نفسية.
إذاً، لم تمنع جهود كوسا الكبيرة من وقوع المسلسل في أخطاء عدة. ولعلّ أبرز هذه الفجوات كانت التقارب العمري الذي حاول العمل الإضاءة عليه بين بدر وشقيقته الوحيدة، وهو تقارب غير واقعي. إذ يجسّد كوسا دور رجل في الخمسين من العمر على أقل تقدير، بينما لا تتجاوز أخته عقدها الثالث. وقد يكون المبرر وراء ذلك هو صعوبة إيجاد ممثل سوري في الثلاثينيات قادر على تجسيد الدور كما أداه كوسا. كذلك، عجزت إمكانات الماكياج الفقيرة في الدراما السورية عن تصوير كوسا كأنه رجل ثلاثيني. ولا تقف الغرابة عند هذا الحدّ، بل فجأة يكتشف المشاهد أن شقيقة بدر تدخل السجن بتهمة الدعارة من دون معرفة أية تفاصيل إضافية عن الموضوع!
من ناحية ثانية، نجح المسلسل في تصوير الروح المرحة التي يتمتّع بها غالباً المصابون بـ«متلازمة داون». هكذا برع علاء الدين الزيبق بأدائه، بعدما تمكّن المخرج من تدريبه جيّداً، فقدّم شخصية لها مفرداتها وتيمتها الخاصة. غير أنّ ردات فعل والديه (رضوان عقيلي ونادين) بدت مستغربة، إذ تصرّفا في أكثر من مشهد كأنهما يكتشفان ابنهما للمرة الأولى. ورغم تعاطي الزيبق مع محيطه على نحو عادي، إلا أنه يبدو في المسلسل كأنه ولد معزول عن المجتمع، لا أصدقاء له. إذ لم يتمكّن المشاهد مرة واحدة من رؤيته وهو يقوم بأي عمل مفيد للمجتمع، بعيداً عن هواياته. رغم أن المعروف هو أن ذوي الاحتياجات الخاصة بدأوا يندمجون في مجتمعاتهم ويمارسون مهناً عدة.
ومع تطوّر الأحداث، يتابع الجمهور معاناة منى، بعدما عرفت مع زوجها عبادة (باسل خياط) أنها تحمل طفلاً مصاباً بـ«متلازمة داون». وفي الوقت الذي تتمسك الأم بطفلها على اعتبار أنه ابنها الأول، يعارض الزوج إنجاب طفل مريض، ويبذل قُصاراه حتى يتخلص من الجنين، لكن الزوجة تتشبث بخيارها وتتأثر بعلاء الدين لكونه يعيش بالقرب من أهلها، وببدر الذي يعمل عند خالها. وتبدو حالة منى وزوجها مستغربة، إذ لا تراود الأم لحظة واحدة فكرة التخلص من الطفل. كذلك، لا يتطرّق العمل إلى الجانب الديني الذي يحرّم الإجهاض.
ولم يتمكّن «وراء الشمس» من الهرب من مأزق التطويل والثرثرة الزائدة الذي وقعت فيه أغلب الأعمال الرمضانية، إضافة إلى تركيزه على الكآبة والسوداوية التي أرخت بظلالها على تفاصيل العمل بمساعدة الموسيقى التصويرية لطاهر مامللي.