إنّها حكاية الكاتب المصري الشابّ الذي احتضنته «الدولة» برهة، ثم قرّرت أن تطرده من ملكوتها. صاحب رواية «هدوء القتلة» ينتظر الآن «الفتوى»... هل يفلت من «لعنة ساويرس»؟

القاهرة ــ محمد خير
ليس طلب الفتاوى وقفاً على المسائل الدينية. ها هو «المجلس الأعلى للثقافة» في مصر يقبع في انتظار فتوى من مجلس الدولة... فتوى تخبر وزارة الثقافة ما عليها فعله: هل «تشجّع» الروائي طارق إمام أم لا؟!
مع ذلك، فإنّ الأدباء، الشبّان منهم خصوصاً، ارتاحوا لكون «المجلس الأعلى للثقافة» قرّر الاحتكام إلى مجلس الدولة، ولم يبادر منفرداً إلى سحب جائزة الدولة التشجيعية من طارق إمام. فاز الأخير بالجائزة عن «هدوء القتلة» (دار ميريت)، لكنّ «جريمته» أنّ روايته نفسها حازت العام الماضي «جائزة ساويرس للرواية» (المركز الثاني). وبما أن العمل نفسه عاد إلى البروز، متفوّقاً على أكثر من 35 عملاً آخر تنافست على جائزة الدولة التشجيعية، فقد ارتأت المؤسسة الرسميّة أن «تعاقب» الأديب الذي قرّرت تشجيعه! هكذا جرى تجميد الجائزة، ومقابلها المالي طبعاً (خمسون ألف جنيه مصري). حتى بدا المؤلف كمن ارتكب جريمة أو تزويراً. صحيح أن بعض المسابقات الأدبيّة والفنيّة تمنع مشاركة أعمال سبق أن فازت بجوائز أخرى، لكنّ الأمور هنا ليست بهذه البساطة.
جائزة الدولة التشجيعية في مصر تتميّز عن مسابقات الدنيا كلّها بخصوصيّة غريبة: على المتقدّم إليها أن ينتظر عامين قبل إعلان النتيجة. يُفتح الباب للتقدم إلى الجائزة في تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، ويغلق في كانون الأول (ديسمبر). لكن النتيجة لا تعلن في العام التالي، بل في منتصف العام الذي يليه. هكذا تقدّم طارق إمام بروايته قبل نهاية 2008، إلى أن أعلن فوزه في أواخر حزيران (يونيو) 2010. بين هذا التاريخ وذاك جرت تحت جسور القاهرة مياه كثيرة. إذ أُعلن في كانون الثاني (يناير) 2009 فوز الرواية بـ«جائزة ساويرس». وبناءً عليه، تقدّم المجلس الأعلى للثقافة، الجهة المانحة لجوائز الدولة، بمذكرة لسحب الجائزة التشجيعية من إمام، لأنّه جرؤ على الفوز بجائزة أخرى قبل إعلان نتائج جوائز الدولة!
المفارقة هنا أنّه حين تقدم الروائي الشاب بعمله لجائزة الدولة، لم تكن قد لحقت به «لعنة ساويرس»، أي إنه لم يخالف شروط التقدم للجائزة، التي تمنع قبول أعمال فازت بجوائز أخرى. فإذا بقرار تجميد جائزة الدولة يعني شيئاً من اثنين: إمّا إنّه عقاب لمن لا يعلم الغيب، فلم يدرك أنه (سوف) يفوز بجائزة أخرى، أو أنّه يُجبر المتسابقين على عدم التقدم بأعمالهم لأيّ

موقف «المجلس الأعلى» مثّل استفزازاً للكتّاب الشباب

مسابقة أخرى قبل عامين أو حتى أثناءهما انتظاراً لنتيجة جائزة الدولة. وهو ما يعني عمليّاً قتل فرصة هذه الأعمال في التنافس على أيّ جائزة محلية أو عربية، لأنّ أقصى مدة للتنافس في أيّ مسابقة هي ثلاث سنوات من تاريخ إصدار العمل. ليس غريباً إذاً ألّا يُذعن أحد للوائح التشجيعية، بسبب الاحتمال القليل بفوز عمل واحد بجائزتين.
لكن الاحتمال النادر وقع في حالة رواية «هدوء القتلة»، فإذا بتجميد الجائزة يثير استفزاز جيل كامل من الشبّان. إذ إنّ الجائزة المخصصة للتشجيع دأبت على الذهاب إلى كتّاب كبّار في السن تخطى بعضهم الستين عاماً، وذلك منذ إلغاء شرط السنّ، الذي كان يقصر الجائزة على من هم دون الأربعين. وحالما فاز «الشاب» طارق بالجائزة حتى حُجبت، فتضامن معه أكثر من مئة كاتب شابّ، رأوا في تجميد الجائزة تعسّفاً ضد «جيلهم». لم يكتفِ هؤلاء بإصدار بيان تضامني، بل احتفلوا مع المؤلف في إحدى مكتبات القاهرة بحصوله على جائزة الدولة بغضّ النظر عن المعركة القانونية.
هل يعدّ تجميد الجائزة بالفعل تعسّفاً ضد جيل شاب؟ أم محض مشكلة إدارية؟ سؤال لن تجيب عنه الفتوى المنتظرة من مجلس الدولة. لكن ليست العبرة ولا الدلالة في تفاصيل اللوائح، بل في أسئلة إضافية: كيف ولماذا تعتبر جائزة الدولة نفسها في منافسة مع الجوائز الخاصة؟ ولماذا لا تطابق «التشجيعية» اسمها، «فتشجّع» أولئك الفائزين بدلاً من أن تعاقبهم على ذلك؟ ثم ماذا في فوز رواية بجائزة سابقة؟ أليس مفترضاً بالتشجيعية أن تشجّع المؤلف؟ أم أنّها تشجّع روايته؟!