اشتغل سيمون الهبر طويلاً على باكورته التي انطلقت عروضها التجارية اليوم في «متروبوليس صوفيل». السينمائي اللبناني يصوّر وجهة نظر شخصيّة عن الحرب والذاكرة
زينب مرعي
الفكرة حاضرة منذ سنوات. «أريد أن أحكي عن الذاكرة وعلاقة الناس بها، خصوصاً ذاكرة الحرب». يقول سيمون الهبر. لكنّ السؤال الذي كان يدور في خلد السينمائي اللبناني، هو «كيف تحقيق ذلك على الشاشة الكبيرة؟». وإذا بالمخرج الشاب (1975) يتنبّه فجأة إلى أنّ حالة النزوح «العكسي» التي قام بها عمّه، سمعان من المدينة إلى الضيعة تكتنف شيئاً من السينمائيّة. وفي قريته «عين الحلزون» المدمّرة والمهجورة إلاّ من ساكنها وناطورها الوحيد، سمعان شيء من ذاكرة الحرب، ومن الذاكرة الشخصيّة للمخرج أيضاً. هذان العاملان إضافة إلى الكاريزما وشخصية سمعان الهبر المحبّبة على الشاشة جعلا هذا الأخير يفوز بالدور الرئيسي في شريط «سمعان بالضيعة» (راجع المقال المجاور) الذي تنطلق اليوم عروضه التجارية في «متروبوليس صوفيل» (الأشرفية).
الشريط الذي عرض للمرة الأولى في مهرجان «أيام بيروت السينمائيّة» الأخير، شارك في العديد من المهرجانات العربية والدوليّة وحصد جوائز عديدة. يقول الهبر إنّه أمضى سنة ونصف السنة يبحث عن شكل الفيلم الذي يبتغيه. روائي أم وثائقي؟ وأي صيغة يعطي للشكل الذي يختاره؟ حتى ساقه موضوعه والمكوّنات التي يمتلكها نحو «الوثائقي الإبداعي». من خلال هذه الصيغة التي تسمح له تصوير وجهة نظره الشخصية، استطاع الهبر أيضاً أن يجعل المشاهد يعيش مع القصّة ومع سمعان في ضيعته، لا أن يسرد وقائع

الصيغة التي بحث عنها المخرج طويلاً، قد تكون من الأسباب التي أثارت حفيظة الرقابة

فقط. هكذا حقّق في الوثائقي ميزة الفيلم الروائي الأساسيّة. لذلك، رأى الهبر أنّ «الوثائقي الإبداعي» هو الصيغة الأفضل بالنسبة إليه كي يعبّر عن أفكاره ويترجم موضوعه. ويرى الهبر أنّ الناس قادرون على التمثّل بالشخص الحقيقي الذي يمارس حياته أمامنا ويظهر على الشاشة على طبيعته أكثر من الممثّل. إلاّ أنّ هذا الوثائقي لا يخلو من بعض «التمثيل». أي إنّ المخرج يوهمنا بأنّ الكاميرا تتبع سمعان في حركته اليوميّة غير أنّها ثابتة في مكانها، تطلب منه الدخول إلى عالم الكادر السينمائي بطريقة معيّنة، وتنفيذ ما يفعله يومياً، ثم الخروج منه بخفّة.
ساعدت سيمون الهبر على تثبيت الكاميرا، معرفته بالأماكن التي يرتادها عمّه. كما أراد للكاميرا المثبّتة أن تكون دلالة على الزمن المتوقّف في هذه القرية، لكنها أيضاً حيلة تساعد على خلق وهم العيش مع سمعان. لكن هذه الصيغة التي بحث عنها المخرج طويلاً، قد تكون من الأسباب التي أثارت حفيظة الرقابة. إذ إنّ «الوثائقي الإبداعي» خلافاً للوثائقي التلفزيوني أو «الريبورتاج» كما يفضّل الهبر تسميته يسمح للمخرج بأن يلتقط وينقل ردّة فعل الشخص على بعض الأسئلة، أو تعابير وجهه التي تفضح ما لا ينطق به لسانه. صمت وحركات خفيفة لكنْ معبّرة، هي ما تلقّاه الهبر من بعضهم على سؤال «من دمّر الضيعة؟»، مثلاً. من خلال هذه اللّقطات الصغيرة، يقودنا المخرج إلى التفكير والتحليل في موضوع النقاش، أي الحرب الأهلية. يرى الهبر أنّه لا يصوّر في باكورته وجهة نظر المسيحيين من الحرب، «ما أقدّمه ليس ريبورتاجاً تلفزيونياً كي أقدّم الرأي والرأي الآخر، لكنني أصوّر وجهة نظر شخصيّة. وعلى صعيد أوسع، أصوّر المجتمع اللّبناني. هو مجتمع ممنوع عليه أن يتكلّم عن الحرب، هُدمت ضيعنا وجعلتنا نعيش فيها بمحاذاة بعض وليس مع بعض، كي لا نهدّد السلم الأهلي. ثم أقنعونا بأن ننسى من دون أن تُطمس آثار الحرب الجسديّة أو النفسيّة. والأهم من دون أن يكون هناك خطّة اجتماعيّة لمعالجة تبعاتها وعودة هؤلاء المهجّرين»... فهل يهدّد اليوم «سمعان بالضيعة» السلم الأهلي؟