بشير صفيريأتي آخر إصدار لعازفة البيانو اللبنانية/ الأوكرانية تاتيانا بريماك ـــــ خوري ضمن سلسلة مُخصّصة لمجموعة من المؤلّفين اللبنانيين الكلاسيكيين. أول الغيث مع عميدهم توفيق سكّر (1922)، وقد أدت تاتيانا من أعماله القديمة والجديدة التي كتبها للبيانو.
احتوت الأسطوانة ثلاثة أعمال هي «أربع عشرة مقطوعة سهلة للبيانو مستوحاة من الفولكلور اللبناني»، «تنويعات على موضوعة أصلية» و«مينوييه».
بداية تجدر الإشارة إلى أنّ المؤلف توفيق سكّر عمل منذ الخمسينيات على إدراج ربع الصوت في مؤلفاته ذات الطابع الكلاسيكي الغربي. وعمل أيضاً على إمكان الهارموني في التأليف على أساس المقامات الشرقية. كما كتب أعمالاً للبيانو تضمنت ربع الصوت ونفذها على الآلة التي ابتكرها عبد الله شاهين، وهي بيانو معدَّل يسمح بهذا الانتقال النغمي الشرقي. لكنّ الأعمال التي تؤديها تاتيانا في هذا التسجيل لا ربع صوت فيها. إذاً نُفّذت على بيانو عادي، لكنّ هذا لم يمنع سكّر من استخدام مقامات شرقية لا تحتوي على ربع الصوت، في إشاراته المباشرة إلى اللحن الأصلي للأعمال المنتقاة من الفولكلور.
في عنوان العمل الأول، وردت عبارة «سهلة». وهنا يجب التوضيح أنّ سلسة المقطوعات القصيرة هذه، هي سهلة من حيث العزف، لا الأداء. بل هي صعبة جداً بهذا المعنى. وهي أيضاً ليست سهلة لناحية التأليف. ولو بدَت كذلك، فسكّر اعتمد أسلوب السهل الممتنع، متخلياً عن الطريقة الـ«ليستية» (نسبة إلى الرابسوديات المجرية لفرانز لِيست)، أي الطريقة المعقدة التي اعتمدها وليد حوراني في كتابة «الرابسودي اللبنانية» انطلاقاً من المصدر ذاته الذي انطلق منه سكّر: الفولكلور. وتأخذ هذه المقطوعات إجمالاً شكل: «ألف ـــــ باء ـــــ ألف». والـ«باء» هو إما موضوعة مستقلة، أو تطويرٌ للعرض الأول للـ«ألف». واللافت فيها هو كتابة هارمونية بسيطة وجميلة، تتولاها اليد اليسرى عموماً مع إمكان تبدُّل الأدوار بين اليمنى واليسرى.
أما المقطوعتَان الثانية والثالثة، فهما أقل بساطة ونضجاً، ربما لأنهما من الأعمال القديمة، لكن مع ذلك لا تهميش فيهما لأي من صفات العمل الجيد والمتقن.
تؤدي تاتيانا أعمال سكّر بمهنية عالية، مستخرجة منها الإحساسَيْن الشرقي والغربي بجرعات متساوية. بكل بساطة ومن دون مبالغة، لا يمكن تنفيذ هذه المقطوعات بطريقة أفضل، ولو أننا لا نعرف تسجيلاً آخر للمقارنة به. وهذا التسجيل سيصبح بلا شكّ مرجعاً على مستويين: على المستوى الأدائي طبعاً، وعلى مستوى حفظ هذه الأعمال القيمة التي ـــــ كما أشرنا ـــــ تأتي ضمن سلسلة ستضم لاحقاً أعمال جورج باز وبوغوص جلاليان وأنيس فليحان، ومن المؤلّفين الشباب، هتاف خوري (زوج تاتيانا).