خليل صويلحفي زحام مهرجانات الصيف، أطلّ «مهرجان جبلة الثقافي» على نحو مغاير. المهرجان الذي استضافته البلدة الساحلية في دورته الرابعة، كان فرصة لاكتشاف نبض ثقافي آخر، يؤكد مرة أخرى على أهمية ثقافة الأطراف في استقطاب عناوين ذات مذاق خاص برعاية مباشرة من الشاعر أدونيس (الأب الروحي للمهرجان). كان متوقعاً أن تكون دورة هذا العام مميزة بوجود أسماء لامعة ضمها البرنامج، لكن في اللحظة الأخيرة، سيغيب المفكر المغربي محمد أركون الذي خيّب الآمال بسجال ساخن حول «تاريخ الفكر الإسلامي»، وستفتقد الأمسيات الشعرية صوت سيف الرحبي، والشاعرة التركية بيجان ماتو، ومن سوريا بندر عبد الحميد وإيمان إبراهيم. هكذا سيحتشد الجمهور في رواق مدرج جبلة الأثري لينصت إلى الموسيقى: شربل روحانا وفرقته أشعل المدرج بالتصفيق بأغنياته الانتقادية «بالعربي أحسن» و«لشو التغيير» و«والحمدلله أخدت الفيزا». أما فرقة «ارتجال» السورية، فزاوجت بين الموسيقى الشرقية والجاز، واختتمت حفلتها بالراي السوري! المغنية الأوبراليّة نعمى عمران أدهشت الحضور بصوتها العميق والقوي ونبرتها المختلفة باستحضار مقطوعات غنائية تنتمي إلى لغات قديمة وقصائد من المتنبي بمشاركة عازف البزق محمد عثمان، وكان مسك الختام مع المغنية الشرقية وعد أبو حسون. غامر المهرجان في هذه الدورة باستضافة كوكبة من الشعراء السوريين الشباب: عبد القادر الحصني، رولا حسن، جولان حاجي، وخضر الآغا، فيما اكتفى عربياً بالشاعر الأردني الطاهر رياض والبحرينية بروين حبيب. وإذا كانت ندوة «الثقافة المرئية» التي شارك فيها جمال سليمان وريم حنا وقمر الزمان علوش قد خرجت عن سياقها لمصلحة الدراما التلفزيونية ومشكلاتها والمؤامرات التي تحاك ضدها، فالندوة الثانية التي استضافها المهرجان لتكريم الشاعر الراحل بدوي الجبل (1900 ــــ 1981) استقطبت حضوراً لافتاً، وخصوصاً أنّ أدونيس قدم شهادة في شاعر الكلاسيكية العربية. إذ قال موضحاً «يبدو لي شعر بدوي الجبل امتداداً لأجمل ما عرفته الكلاسيكية الشعرية العربية، وهو في الآن ذاته تتويج وخاتمة لها، فبدوي الجبل يختتم تاريخاً شعرياً بأكمله ويرسم للشعر العربي منعطفاً ليبدأ بنبض آخر، تاريخاً شعرياً آخر».