تشي غيفارا ومايك تايسون وإنديانا جونز والآخرونكان ـــ عثمان تزغارت

رغم الضجة الإعلامية والشائعات والتكهنات المتضاربة التي رافقت إعلان التشكيلة الرسمية للدورة الـ61 من مهرجان «كان السينمائي الدولي» التي افتتحت فعالياتها اليوم، فإنّ الحصيلة النهائية للأفلام التي ستدخل السباق على «السعفة الذهبية» هذا العام، تُعدّ إحدى أكثر التشكيلات ثراءً وتنوعاً في «كان» منذ سنوات طويلة.
خلال المؤتمر الصحافي السنوي للمهرجان، جاء الإعلان لتشكيلة أولية غير مكتملة، ليطلق تكهنات بوجود «أزمة» في إدارة هذا المهرجان السينمائي الأشهر عالمياً أو شحّ في عدد الأفلام المرشّحة للمشاركة أو نوعيتها. وما أسهم في ترسيخ هذا الانطباع أنّ عدد الأفلام التي ستدخل المسابقة الرسمية هذا العام بلغت 22 لا 25 كما هي العادة. لكن تشكيلة «كان» 2008 في صيغتها النهائية التي استُكمل إعلانها الأسبوع الماضي، وضعت حداً للمخاوف والتكهّنات. إذ تبين أنّ ما حدث من تأخير، وتقليص لعدد الأفلام المشاركة لم يكن انعكاساً لأزمة فنية أو إنتاجية، بقدر ما يترجم توجهاً جديداً من إدارة المهرجان للرهان على النوعية لا على الكمّ (راجع الحوار مع رئيس المهرجان جيل جاكوب في الأسفل).
هذا الرهان النوعي يبدو واضحاً عبر المفاجآت الواعدة التي تتضمنها التشكيلة (تشمل تسمية التشكيلة الرسمية في «كان» العروض الرسمية داخل المسابقة وخارجها وتظاهرة «نظرة ما»). فمن مجموع 57 شريطاً روائياً طويلاً، تتضمن هذه التشكيلة 8 أفلام هي الأعمال الأولى لمخرجيها، و25 شريطاً لسينمائيين يشاركون للمرة الأولى في «كان». وهم قادمون من 31 دولة.
لكنّ هذا الرهان على التجديد لإفساح المجال أمام بروز سينمائيين جدد، لم يمنع التشكيلة من احتضان عدد قياسي من السينمائيين المصنفين في مصاف كبار صنّاع السينما العالمية. إذ ستشارك أعمال تسعة منهم في المسابقة الرسمية، بينما ستُقدم أعمال ثمانية سينمائيين كبار آخرين في «عروض خاصة» خارج المسابقة.
في السباق على «السعفة الذهبية»، نجد عملين جديدين لسينمائيين نالوا سابقاً «السعفة»، وهما «صمت لورنا» للأخوين البلجيكيين لوك وجان ـــــ بيار داردين، و«تصوير في باليرمو» للألماني فيم فندرز. أما المفاجأة التي تثير أكبر قدر من الترقب والتكهنات في هذه التشكيلة، فتتمثل في فيلم «تشي» للسينمائي الأميركي البارز ستيفن سودربرغ المستوحى من سيرة تشي غيفارا. وما زال هذا العمل محاطاً بالسرية التامة. إذ لم يُعلم عنه حتى الآن سوى كونه فيلماً طويلاً جداً يمتد لأكثر من أربع ساعات! أما البرازيلي والتر ساليس الذي كان قد استقطب الأضواء في «كان» 2004 بفيلمه «سائق الدراجة» المقتبس أيضاً من سيرة تشي غيفارا، فيشارك هذا العام بفيلم جديد يحمل عنوان Linha De Passe (إخراج مشترك مع مواطنته دانييلا توماس).
وتسجّل السينما الأميركية حضوراً قوياً في المسابقة الرسمية بفضل أعمال سينمائيين بارزين آخرين، هما جايمس غراي الذي سيقدّم فيلماً بعنوان «عاشقان»، وكلينت إيستوود الذي سيشارك بـ«المبادلة» (بطولة أنجلينا جولي وجون مالكوفيتش).
ويعود السينمائي التركي الكبير نوري بيلج سيلان إلى «الكروازيت»، هذه السنة، بعمل جديد يحمل عنوان «القردة الثلاثة». ويمثّل الشريط ثالث مشاركة له في المهرجان بعد رائعته «بعيد» التي نالت الجائزة الكبرى عام 2003، و«الطقوس» الذي عُرض في المسابقة الرسمية عام 2006. بينما سيقدّم الكندي أتوم إيغويان شريطاً جديداً بعنوان «ولع» يسجّل عودته إلى المهرجان بعد ثلاث سنوات من الغياب، منذ أن غادره بخفي حنين من «كان» 2005. ذلك أن فيلمه «هرارات» (تناول فيه أصوله الأرمنية) لم يفز بجائزة واحدة، رغم الحفاوة التي استُقبل بها آنذاك. أما الصيني جيا زينغ كي، فسيقدم فيلماً بعنوان «المدينة 24»، يتناول الهجمة الليبرالية العاصفة التي تهز المجتمع الصيني في السنوات الأخيرة.
تسجل السينما الإسرائيلية حضورها في المسابقة الرسمية هذه السنة بفيلم «رقصة فالس مع بشير» لآري فولمان (هناك فيلم إسرائيلي آخر في «أسبوع النقاد» بعنوان «الأيام السبعة» لرونيت وشلومي ألكابيتز). «رقصة فالس مع بشير» مستوحى من ذكريات مخرجه عندما كان مجنداً في الجيش الإسرائيلي أثناء اجتياح لبنان عام 1982. وفضلاً عن مضمونه النقدي تجاه السياسات الرسمية الإسرائيلية، يكتسب الفيلم فرادته على الصعيد الفني، لكونه أول شريط تسجيلي يُنجز بتقنيات الرسوم المتحركة!
أما خارج المسابقة، فيتميّز المهرجان هذه السنة باستقطاب تشكيلة من العروض العالمية الأولى، لكوكبة بارزة من كبار السينمائيين. وودي ألن يقدّم عمله الجديد «فيكي كريستينا برشلونة»، وستيفن سبيلبرغ الجزء الرابع من مغامرات إنديانا جونز بعنوان «إنديانا جونز ومملكة جمجمة الكريستال» الذي سيكون أبرز الأفلام الهوليوودية لهذا الصيف. وسيعرض مارك أوسبورن وجون ستيفنسن فيلماً هوليوودياً بارزاً آخر هو «كونغ فو باندا»، فيما يعود البوسني أمير كوستوريتسا بفيلم جديد، هو «مارادونا» المستوحى من سيرة لاعب كرة القدم الأرجنتيني الشهير. على البرنامج أيضاً «رماد الوقت» للمخرج الصيني الكبير وانغ كار واي، ولجمهور «كان» موعد خاص مع أبل فيرارا وجديده ِChelsea on the Rocks.
ومن مفاجآت المهرجان الذي يختتم يوم 25 الجاري بفيلم باري ليفنسون «ما الذي حدث للتو؟»، ثلاثة أفلام أميركية واعدة خارج المسابقة. الأول يحمل عنوان «حراسة» وهو العمل الأول لسينمائية أميركية شابة تدعى جينفر لينش (ابنة السينمائي الكبير ديفيد لينش)، والثاني لأليسون ثومبسون، بعنوان «الموجة الثالثة» وهو من اكتشافات رئيس لجنة التحكيم شون بان. أما الفيلم الثالث فهو من إخراج جايمس توباك، ويحمل عنوان «تايسون» عن سيرة الملاكم المثير للجدل مايك تايسون.
ويروي المفوض العام للمهرجان تيري فريمون أنه إثر برمجة الفيلم الأخير، في تشكيلة «كان» 2008، فوجئ بخطاب من المنتج الأميركي يبلغه أن مايك تايسون يرغب في أن يكون حاضراً مع فريق الفيلم في «كان»، لكن شرط أن يتولى المهرجان تأمين حمايته الشخصية! فكتب إليه بأسلوب فكاهي قائلاً: «المعروف أن تايسون يتولى عادةً حماية نفسه بنفسه. ولا نعتقد أنّه يحتاج إلى حماية شخصية، بل بالعكس يمكن أن نفكّر في الاستعانة به لتأمين الحماية لنجوم آخرين»!


السينما العربيّة: عودة مؤجّلة!وقد دار الحديث عن ثلاثة أفلام روائية عربية أخرى، قُبل ترشيحها مبدئياً من إدارة المهرجان، لكنّ اللجان الفنية لم تقبل دخولها التشكيلة الرسمية. ففيلم «آخر المعاقل» للجزائري رابح عامر زعيمش الذي أشارت التكهنات إلى ترجيح دخوله المسابقة الرسمية، أُقصي في التصفيات الأخيرة، فانسحب إلى «أسبوعي المخرجين». أما «ليلية البيبي دول» للمصري عادل أديب، فلم ينجح حتى في دخول التظاهرات الموازية، حيث سيكتفي منتجه عماد الدين أديب بعرضه في «سوق الفيلم». والمصير ذاته آل إليه فيلم «فرنسية» للمخرجة المغربية سعاد البوهاتي.
هذا الإخفاق الذي واجهته الأفلام العربية، وعجزها عن إيجاد مكان لها حتى في التظاهرات الموازية التي تعنى بإبراز المواهب الجديدة والتجارب السينمائية الناشئة، دفع برئيس مهرجان «كان»، جيل جاكوب، إلى طرح السؤال على السينمائيين والقائمين على السينما في العالم العربي لمحاولة تشخيص أسباب هذه الأزمة.
يُذكر أنّ لجنة تحكيم المسابقة الرسمية تضمّ هذا العام 8 أعضاء، يترأسهم الممثل شون بين، وتضم في عضويتها المخرجة الإيرانية مرجان ساترابي، والفرنسي رشيد بوشارب، والممثلة الأميركية الإسرائيلية نتالي بورتمان، والمخرج الإيطالي سيرجيو كاستيليتو.