فاطمة داوود
الفراشات تغزو تشكيلات الـ«هوت كوتور» لربيع وصيف 2008.
في بيروت، قدّم نيكولا جبران عرضاً عنوانه الغرابة. وفي باريس، تمرّد داني أطرش على جنون الألوان، كاسراً قاعدة الموسم




نيكولا جبران: إنها حبيبتي بيروت

بينما كانت عواصم الأناقة في العالم تحتضن عروض المصممين اللبنانيين، وفي وقت تعيش فيه بيروت أوقاتاً حرجة... قرر نيكولا جبران أن يتحدّى الظروف، ويطلق من هنا صرخة «بيروت مدينة أزلية للحياة»، خلال عرض مجموعة الـ«هوت كوتور» لربيع وصيف 2008. وليس غريباً على جبران أن يتبنّى هذا الشعار، إذ لطالما حرص في مجموعاته السابقة على إظهار ارتباطه الوثيق بمدينته. وعلى رغم كلّ ما تمر به، فهو لا يراها سوى عاصمة للفرح والحياة.
في حفلة ضخمة طغت عليها مظاهر البذخ، حضرتها وجوه فنية مثل الشحرورة صباح، وغابت عنها الفنانات اللواتي اعتدن متابعة عروض نيكولا (أصالة، شيرين عبد الوهاب، هيفا...)، قدم جبران تشكيلته الجديدة. وهذه المرة أيضاً، استعان بعناصر الإبهار لافتتاح عرضه، فقدم في خلفية العرض شجرة خريفية، في إشارة إلى وداع الموسم الماضي، والتأهّب لاستقبال ربيع جديد، يضجّ بألوان الطبيعة الزاخرة.
وما هي إلا لحظات حتى أطلّت العارضات على خشبة المسرح بثقة بالغة. كلّ واحدة منهنّ اكتست تصميماً، صالحاً لنسج حكاية خيالية، وخصوصاً أن جبران اشتغل باهتمام بالغ كل جزء من فساتينه، فحاك خيوط تصاميمه بعناية فائقة.
لطالما صرّح جبران أنه متأثر بالمصمم العالمي ألكسندر ماكوين، وهو جسّد ذلك في مجموعة ربيع وصيف 2008. ولمحة سريعة على تشكيلته، تكشف منذ التصميم الأول أسلوب الغرابة الذي انتهجه، سواء لناحية القبعة التي اتخذت شكل المروحة على رأس العارضة أو الجوارب غير المتناغمة مع طقم بالأبيض والأسود. لكن ذلك لا ينسحب على كل الفساتين التي تميزّ جزء كبير منها بالقصات الانسيابية والأقمشة الحريرية. هذه التصاميم انسابت كشلالات متدفقة على أجساد العارضات، ليبدين تماماً مثل الحوريات، وهنّ يتبخترن بخطوات، لا تكاد تلامس الأرض.
وضمت المجموعة فساتين طويلة ضاقت عند الخصر والردفين وانسدلت لتضيق حد الركبتين ثم تتسع دون ذلك، لتمنح شكل حورية البحر. وما زاد التصاميم إبهاراً، حبات الكريستال الملوّنة الضخمة، وقد نثرت على القماش بكامله.
ويمكن القول إن مجموعة ربيع وصيف 2008 جاءت لدى جبران ملأى بالتناقضات، فهي تارة تحاكي الفراشات وتستلهم من الطبيعة وأزهارها أشكالاً. وطوراً، تعجّ بالفساتين الفضفاضة التي تمنح المرأة حرية الحركة، بعيداً من القصّات الضيقة المربكة.
من هنا، حاول جبران إرضاء جميع أذواق النساء. والدليل أن تصاميمه المؤلفة من «الكورسيه» والتنورة الطويلة الضيقة، تجلّت في هذا العرض إلى جانب مجموعة أخرى متناقضة تجسّدت في فستان باللون «الفوشيا»، اتّسم بسخاء القماش. وفيه، التفّت طبقات تلو الأخرى حول جسد العارضة في توليفة عشوائية.
كما استعان نيكولا بألوان متألقة كـ«الفوشيا» والأزرق، وألوان البحر، والأبيض والأخضر والبنفسجي وتناغم شديد بين الأسود والأبيض وتوهّج الذهبي ونعومة الزهري. أما الأقمشة فطغت عليها أنواع «الشيفون» بكل أشكاله والحرير و«الساتان»، كذلك حضرت الأقمشة المطبّعة بالورود. أما بعضها الآخر، فقد التفّ على شكل ورود كبيرة زيّنت أسفل الفساتين، أو اعتلت صدور العارضات.
ولا يخفى أن الجرأة التي اتّسم بها المصمم جبران لم تغب أيضاً عن هذه المجموعة في تصاميم عدّة، فجسّدها تصميم مؤلف من «مايوه» ومعطف مطبّّع بالورود.
أما العروس فكانت أشبه بأميرة قامت بنزهة في حديقة القصر. فجاء الفستان سخياً بذوقه وإبداعه معها، فقدم مجموعة العرائس وقد ضمّت خمسة تصاميم، اتّسمت بتناغم فائق بين اللونين الأبيض والفضي في ظلّ كلاسيكية راقية. وقد برزت تصاميم اشتدت عند الخصر وانسدلت في اتساع نحو الأسفل وفق طيّات على شكل كشاكش ناعمة، وطبّع بعضها باللون الفضي، حسب أشكال الورود.




داني أطرش: يحنّ إلى زمن الديسكو

احتفى المصمم اللبناني داني أطرش أخيراً بالسنة السابعة لإطلاق عروضه الفرنسية، مقدماً مجموعته لربيع وصيف 2008 في باريس. ضمّ العرض فساتين لا تناسب إلّا الحفلات الكبرى ونجمات الفن السابع. وأظهر فيها تأثره الكبير بالموضة الأوروبية، مع طغيان البساطة المطلقة والراقية على التفاصيل كلها، بما فيها التطاريز التي بدت غاية في الأناقة والرقي.
التشكيلة عادت بالحاضرين إلى أجواء الديسكو في سبعينيات نيويورك حيث اتسمت الموضة بالأقمشة اللّماعة، وقوة التطاريز ذات الأشكال الهندسية.
وجاءت الفساتين في معظمها طويلة لامست حدود الأرض أو أكثر بقليل. وتنوّعت ألوانها بين الأبيض والأسود والزهري والرمادي والأصفر، والأزرق الفاتح، في توليفة أبرزت بشكل جليّ براعة المصمم باختيار تدرّجات الألوان الفاتحة. وحضرت أيضاً الأقمشة المتهدّلة التي تتطاير بخفّة لا مثيل لها مع نسمات الهواء، ومنها «الشيفون» والحرير و«الجورسيه» و«الساتان».
واختار أطرش قصّات تميزّت في غالبيتها بالكشف عن الصدر (الديكولتيه) إنما بأشكال متعددّة: V أو U أو H، كما كشف عن كتف دون الآخر. وقد برز في المجموعة فستانٌ قصير على شكل فراشة كبيرة ملوّنة ولمّاعة، مازجاً «الفوشيا» والفضي مع تداخل للألوان الترابية كالبني والعسلي. كما تألّق فستانٌ باللون الأبيض و«الفوشيا» مؤلفٌ من صدّارية ضيّقة وتنورة مستقيمة إلى حدّ ما، اتّسعت عند الركبتين وقد ازدان صدرها بربطة مطرّزة أنيقة. كذلك أطلّت عارضة بفستان رمادي، اشتدّ أعلى الخصر بلمّاعات فضية وكذلك عند محيط الرقبة لتستعيض به المرأة عن كلّ أنواع الأكسسوارات.
أما الفساتين القصيرة، وعلى رغم قلّتها، فقد منحت المرأة حرية اختيار التصميم الملائم لمناسبتها. وإن غلبت عليها الألوان الأحادية، فقد تميزت بالتطاريز المتقنة الصنع والخفة المتناهية في الأقمشة الخاصة بها.
ولم ينسَ أطرش متطلّبات المرأة العاملة، فخصّها بتايورات راقية: إما على شكل قميص وسروال باللون الأبيض، وإما قميص مزدان بربطة كبيرة وتنورة من الكتان الناعم على شكل شراشيب صغيرة.
وبخلاف معظم العروض التي قُدّمت خلال أسبوع الموضة الباريسي، وضجّت بالألوان الصارخة والمطبّعة بورود الحدائق... غابت ألوان الربيع والصيف عن تشكيلة داني أطرش. إذ غيّر المصمم اللبناني بوصلة توجّهاته، واصطفى التميّز عبر اختيارات بسيطة للغاية.
أطرش الذي اعتاد منذ ثلاث سنوات على تقديم فستان عروس واحد خلال عرضه، لم يشذّ عن القاعدة هذه المرة. إنما بدا مصرّاً على نثر وميض فكرة وحيدة، تاركاً المجال في ما بعد لتقديم تصاميم فريدة لكلّ عروس على حدة. هكذا أطلّت عروسه مكلّلة بطرحة بيضاء من «الشيفون»، وفستان مرصّع بحبات الكريستال الأبيض.
مشاريع المصمم أطرش لم تقتصر على عرض مجموعة ربيع وصيف 2008 خلال أسبوع الموضة الباريسي، بل سيتبعه خلال الأسبوع المقبل عرض مجموعة الملابس الجاهزة لخريف وشتاء 2009 في نيويورك تحت عنوان D BY DANY ATRACH.