خليل صويلح
هل تستعيد دمشق نبضهاالثقافي الأصيل مع انطلاقةاحتفالية «دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008»؟ وهل يؤدي الانفتاح العربي والعالمي دوراً في ترسيخ صورة المدينة المنفتحة المتنوّعة، وإعادة الاعتبار إلى المجتمع المدني فيها؟ وهل ستُردم الهوة بين المبدع والجمهور في علاقة تفاعلية لطالما كانت غائبة بسبب عدم انفتاح المؤسسات الرسمية على أطياف الثقافة السورية؟ أسئلة تفرض نفسها بعدما وصل الخصام إلى ذروته، وبات اسم «المثقف» بمثابة تهمة في الأوساط العامة، أو إنه جاء نتيجة لانتصار ثقافة شعبوية وجدت تجلياتها الكبرى في الدراما التلفزيونية وما يشبهها. وإذا بها تلغي ما عداها، لتحوّل فلول المثقفين إلى جزر معزولة ومشتّتة ومغيّبة عن المشهد العام.
احتفالية «دمشق عاصمة الثقافة العربية للعام 2008» في واحدة من مراياها، ستكون إذاً بوصلة للمشهد الثقافي المحلي من جهة، وصورة للآخر من جهة ثانية. ذلك أنّ أحد أهداف هذه الاحتفالية هو «أن تعيش دمشق في قلب العالم» وفق حنان قصاب حسن، الأمينة العامة للاحتفالية، فتاريخ أقدم مدينة مأهولة في العالم «يدفع بها إلى المخيّلة كواحدة من المدن المضيئة على خريطة العالم».
وتشهد ساحة الأمويين في وسط المدينة، أكبر كرنفال للألعاب النارية في العالم، تحت اسم «فليبدأ الاحتفال» بعد غد الجمعة إيذاناً ببدء الاحتفالية شعبياً، ليصل هذا الكرنفال إلى تخوم جبل قاسيون الذي يحضن المدينة. أما خريطة الاحتفالية فتحتشد بمئات العناوين المهمّة، وفي مقدمها أمسية غنائية للمغني السوري المقيم في باريس عابد عازرية، في أول إطلالة له على الجمهور السوري منذ زمن طويل (15 الشهر الجاري في دمشق و17 منه في حلب). عنوان الأمسية «نصيب» وهي مزيج من الموسيقى الشرقية والفلامنكو في استعادة موسيقية للروح الأندلسية. وسيشهد قصر الحمراء في مدينة غرناطة الأندلسية احتفالية موازية بأمسية غنائية تحييها المغنية السورية وعد أبو حسون عبر أشعار ولّادة بنت المستكفي وابن زيدون، بمشاركة فرقة إسبانية تستعيد أشعاراً لابن عربي.
لكنّ الجمهور السوري، ينتظر بشوق وترقّب موعداً استثنائياً آخر، يعدّه الافتتاح الفعلي للاحتفالية، هذا الموعد سيكون مع فيروز في مسرحية «صح النوم» (28 كانون الثاني/ يناير) بتوزيع موسيقي جديد يحمل لمسة زياد الرحباني. منذ أن علم الجمهور بمشاركة فيروز في الاحتفالية، انطلقت الشائعات حول بيع البطاقات بأكملها، وهو ما جعل قصاب حسن تلفت خلال مؤتمرها الصحافي، إلى أنّ البطاقات لم تطبع حتى اليوم، وستراعي في أسعارها شرائح المجتمع كافةً. هكذا، ستعود فيروز إلى دمشق بعد غياب طويل لتحيي ستّ أمسيات في «دار الأوبرا» في دمشق، وبذلك تلتقي جمهوراً متعطشاً لإطلالتها الساحرة، وسيسجّل في ذاكرته أنّه حضر فيروز شخصياً.
هكذا ستتوالى الأمسيات الغنائية والموسيقية بتنويعات عالمية وعربية يقترحها المغني الأذربيجاني عليم كاظيموف، والأميركية ميري ديتموك، والباكستاني أكرم خان، و«أوركسترا الفارابي» اللندنية في معزوفات لموسيقيين سوريين، إضافة إلى لطفي بوشناق من تونس، وعبد الله الرويشد من الكويت، وريم البنا من فلسطين، وجاهدة وهبة من لبنان، وفريدة محمد علي من العراق، وأنور براهم من تونس، وفرقة رتيبة الحفني من مصر، وفرقة تركية للرقص الصوفي آتية من قونيا موئل مولانا جلال الدين الرومي، و«أوركسترا ماري للعازفات السوريات»، وصباح فخري ونوري اسكندر من سوريا.
أوّل العروض المسرحية التي ستشهدها دمشق اعتباراً من شباط (فبراير) المقبل عرض «لا على الترتيب أو الخبز اليومي» للمخرجة الأردنية سوسن دروزة (تمثيل أمل عمران وأيهم مجيد آغا). كما يحفل البرنامج بعروض مسرحية لافتة، أوّلها «خمسون» للتونسي الفاضل الجعايبي، و«ريتشارد الثالث» لـ«رويال شكسبير كومباني» من إخراج الكويتي سليمان البسّام، و«بوابة فاطمة» لروجيه عساف، و«شظايا» لبيتر بروك عن نص صموئيل بيكيت، ومختارات من المسرح السوري، إضافة إلى عروض وندوات مسرحية في مهرجان دمشق المسرحي.
وسيشهد «بيت السينما» عروضاً متنوعة، أبرزها تظاهرة «المبدعات العربيات في السينما» الذي يواكب يوم المرأة العالمي في 8 آذار (مارس) المقبل، إلى مهرجان الأفلام التسجيلية DOXBOX الذي يستقطب أهم صنّاع الأفلام التسجيلية في العالم، وصولاً إلى عروض لأفلام الشباب الذين حصلوا على منح إنتاجية من الاحتفالية، وسينما الهواء الطلق، ومهرجان أفلام الرسوم المتحركة، وورشات عمل للسينمائيين الشباب. كما تم إنتاج أفلام روائية سورية مقتبسة عن أعمال أدبية حاورت دمشق في مناخاتها، مثل «دمشق يا بسمة الحزن» عن رواية ألفة الأدلبي من إخراج ماهر كدو، و«حسيبة» لخيري الذهبي من إخراج ريمون بطرس.
دمشق مكاناً وفضاءً ستكون مجالاً حيوياً لتجارب الشباب في التصوير الفوتوغرافي وعروض التجهيز البصري، كما ستفتح مراسم التشكيليين السوريين في دمشق أبوابها للمهتمين. قبل ذلك كلّه، هناك معرض استعادي ضخم في المتحف الوطني للتشكيل السوري منذ بداياته حتى حقبة الستينيات، ومعرض للخط العربي وندوة دولية عن آفاق هذا الفن الإسلامي العريق.
أما ملتقى «الثقافة والمدينة»، فمن المتوقع أن يعالج قضايا متعددة ذات بعد إبداعي وتراثي ومعماري تضيء مفهوم المدينة واشتباكها مع التاريخ واللحظة الراهنة، وصورة المثقف وقضية المصير العربي بمشاركة مبدعين ومفكرين عرب وعالميين، أبرزهم نعوم تشومسكي وإيزابيل الليندي.
لكن ماذا عن المدينة نفسها كفضاء معماري وجمالي؟ لا شك في أنّ دمشق شهدت تحولات جذرية في بنيتها المعمارية، ما زاد مظاهر القبح البصري وفوضى البناء، وخصوصاً بعدما أحاطتها عشوائيات طارئة من جهاتها الأربع. فيما صارت المدينة القديمة واجهة مستعارة لعولمة وجدت تجلّياتها في كمّ كبير من المطاعم والحانات والمقاهي على حساب النسيج المعماري والاجتماعي. ولم تنفّذ مقترحات كثيرة في تجميل المدينة وإعادة الروح إلى شوارعها وساحاتها، بما يليق بها عاصمةً للثقافة العربية. ولعل في حملة تعريب أسماء المحال التجارية أفضل مثال على الحلول الارتجالية التي تتجاهل طبيعة مدينة لطالما كانت مفتوحة على أهواء وثقافات تمزج تراثها العريق بهواء ثقافة المتوسط.