مراكش ــ ياسين عدنان
• «مهرجان مراكش» خارج هيمنة المركز الغربي؟

مراكش تواصل صعودها عاصمة للحلم والسينما. وتتبادل الغزل مع القاهرة، منافستها العريقة التي استعادت هذا العام شيئاً من البريق. وتكرّم أنطونيوني وبرغمان وأحمد عطيّة... 110 أفلام آتية من كل أنحاء العالم. ستّة أعمال أولى من أصل 14 في المسابقة الرسمية. هل تستحق الدورةالسابعةهويتها«الدولية»؟
يبدو أنّ «مهرجان مراكش السينمائي» بدأ يستفيد من أخطائه السابقة. يكفي أنّه لم يقترح هذه السنة غير فيلم واحد هو «سميرة في الضيعة» للمخرج لطيف لحلو لتمثيل المغرب في مسابقته الرسمية. فقد رأى كثيرون، في الدورة الماضية، أن مشاركة فيلمين من البلد المضيف في مسابقة المهرجان، أشبه ما تكون بمجاملة مبالغ فيها للسينما المغربية. وعندما شاهد جمهور المهرجان فيلم نرجس النجّار «انهض يا مغرب»، تحوّلت التحفظات حول «المجاملة» إلى اتهامات بالركاكة السينمائية وسوء البرمجة. بل إن الإجماع على ضعف الشريط المذكور، أحرج المنظّمين إلى حد كبير، ولعلّهم انتظروا عاماً كاملاً لتجاوز مثل تلك الإحراجات...
في الدورة السابعة من المهرجان التي بدأت الجمعة وتستمرّ حتى 15 الجاري، تبدو المشاركة المغربيّة أكثر مسؤولية، وخصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أنّ «سميرة في الضيعة» أو «حدائق سميرة» (إذا اعتمدنا عنوانه الفرنسي) الذي يجرؤ على المحظورات في مشاهد جريئة من «الحدائق السرية» لزوجة تعاني الحرمان الجنسي، حصد ثلاث جوائز في المهرجان الوطني للفيلم في طنجة أهمّها جائزة لجنة التحكيم. وهو ما جعل مشاركته في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش، يحقق إجماع السينمائيين والنقّاد المغاربة على عكس فيلم نرجس النجّار الذي عُرض لأول مرة في مراكش العام الماضي ما جعل المنظمين يتحملون وحدهم مسؤولية ضعف الفيلم وفجاجة مضمونه.
لكن إذا كان «سميرة في الضيعة» قد اختير بين عدد مهم من الأفلام المغربية الجديدة التي رشحها مخرجوها لمسابقة مراكش، فإن هناك أفلاماً أخرى أدارت ظهرها لمراكش وفضّلت السفر إلى مهرجان دبي الذي افتُتح أمس. كما هي الحال بالنسبة إلى «القلوب المحرقة» لأحمد المعنوني الحاصل على الجائزة الكبرى في مهرجان طنجة، وفيلم نبيل عيوش الجديد «لولا» الذي اختير لافتتاح تظاهرة الليالي العربية في دبي.
أمّا «سميرة في الضيعة» الذي لعب مخرجه ورقة الأولويّة الوطنيّة، فسيتنافس على نجمة مراكش الذهبية هذه الدورة مع 14 فيلماً: من الجزائر («وراء المرآة» لنادية شرابي)، اليابان («فونيكيدومو كاناشيمينو» للمخرج دياشي يوشيدا)، كوريا الجنوبية («بنت الأرض السوداء» لجون سو إيل)، روسيا («قاسي القلب» لأليكسي ميزكيريف)، الولايات المتحدة («عائلة سافاج» لتمارا جينكينز)، إضافة إلى أفلام من أستونيا وصربيا والمكسيك وهولندا وتشيكيا وفنلندا والصين والفيليبين.
ولعل هذا الحضور المتنوّع لتجارب سينمائية من جهات العالم الأربع، هو ما يعطي مهرجان مراكش فرادته السينمائية... إذ يبدو أنّه أفلت من الدائرة الأميركيّة ــــ الأوروبيّة الضيّقة... علماً أنّ مجموع الأفلام التي تقدّمها الدورة الحاليّة في مختلف فقراتها، يبلغ 110 أشرطة تمثّل 23 بلداً، وقد اختيرت بعد مشاهدة أكثر من 400 فيلم.
أمّا أفلام المسابقة الرسمية الـ14 التي ستتنافس على أربع جوائز فقط هي النجمة الذهبية (الجائزة الكبرى للمهرجان)، وجائزة لجنة التحكيم وجائزة أفضل ممثل وجائزة أفضل ممثلة، فستجد أمامها هذه المرّة لجنة تحكيم متنوّعة يقودها مخرج من عيار ثقيل. إنه المخرج والسيناريست التشيكي ميلوس فورمان صاحب «أشباح غويا» و«أماديوس» الذي حاز ثمانية أوسكارات، و«التحليق فوق عشّ كوكو» الذي أخرجه عام 1975 وانتزع به خمسة أوسكارات بينها جائزة أفضل إخراج. وتضمّ لجنة التحكيم المخرجين المغربي حميد بناني، والهندي شيخار كابور الذي حبس أنفاس الجمهور ليلة الافتتاح بفيلمه المؤثر «إليزابيث: العصر الذهبي»، والممثل الإنكليزي جون هورت، والمخرج الروسي بافيل لونغين (صاحب «تاكسي بلوز») والممثلة السنغالية عيسى مايجا والمخرج الفرنسي كلود ميلر والممثلتين الأميركية باركر بوزي والإسبانية آيتانا سانشيز ـ غيون.
ومن جهة أخرى، يبدو الغزل في أوجه بين مراكش، والمهرجان الذي تحاول منافسته وانتزاع مكانته عربياً: «مهرجان القاهرة» الذي احتفى بالمغرب، ونظم تظاهرة خاصّة بالأفلام المغربية الجديدة خلال دورته الأخيرة التي انتهت قبل أيّام. كما برمج المهرجان المذكور أكثر من شريط مغربي في مسابقتها الرسمية، واختار المخرج أحمد المعنوني رئيساً للجنة تحكيم مسابقته الخاصة بالأفلام العربية... وفي المقابل، بادر «مهرجان مراكش» إلى اعلان مصر ضيفة شرف الدورة الحاليّة، احتفالاً بالذكرى المئوية للسينما المصرية. هكذا، سيتابع جمهور مراكش 40 عملاً سينمائياً مصرياً تعكس مختلف تحولات السينما المصرية. مع ذلك، ما زال الفيلم المصري غائباً عن مسابقة مهرجان مراكش. فهل السينما المصرية عاجزة هذه الأيام عن إنتاج فيلم يثير فضول المغاربة، ويستحق التباري على نجمتهم الذهبية؟
أياً كان من أمر، فإن مصر تبدو بكامل ألقها في مراكش هدا الموسم، من خلال حضور نجومها الكبار عادل إمام ونور الشريف وبوسي ومحمد هنيدي وإلهام شاهين وإيناس الدغيدي وعزت العلايلي ومحمود عبد العزيز وليلى علوي وهند صبري ومحمود حميدة ودلال عبد العزيز وسعيد صالح.
إضافة إلى السينما المصرية التي تحظى باهتمام خاص في مراكش، قررت إدارة المهرجان تكريم الممثل ليوناردو دي كابريو الذي انتهى قبل أيام من تصوير «جسد الأكاذيب» لريدلي سكوت في منطقتي الرباط وسلا. ويجسّد دي كابريو في الفيلم دور عميل للاستخبارات الأميركية يذهب إلى الأردن لملاحقة أحد زعماء القاعدة.
وسيخصّص المهرجان التفاتة خاصة للمخرج المغربي مصطفى الدرقاوي الذي يعاني ظروفاً صحّية صعبة، إذ تُعرض أهم أفلامه مثل «أيام شهرزاد الجميلة»، «عنوان موقت» و«كازابلانكا باي نايت». كما سيُكرّم كل من المخرج الياباني شينجي أوياما والمخرج الأميركي أبيل فيرارا أحد أهم السينمائيين الذين عملوا على تجديد السينما الأميركية المستقلة. فيما يحيّي المهرجان ثلاث شخصيات سينمائيّة رحلت هذه العام: المخرجان الإيطالي ميكلانجلو أنطونيوني والسويدي انغمار برغمان، والمنتج التونسي أحمد عطية.
السؤال المطروح، و«مهرجان مراكش السينمائي» في أوجه، هو: إلى أي حدّ ستنجح هذه الدورة في تأكيد صفة «الدولية» لهذا المهرجان الذي تراهن عليه المدينة المرابطية الحمراء لترسيخ أسطورتها كعاصمة للحلم والسينما؟