strong> بيار أبي صعب
تناقلت بعض المواقع الإلكترونيّة تفاصيل خبر نشرته «العربيّة نت»، يوم السبت الماضي، مفاده أنّ «عضو لجنة التحكيم اللبناني بيار أبي صعب رئيس القسم الثقافي في جريدة «الأخبار» اللبنانية التي يموّلها حزب الله» (...) مارس ضغوطاً على زملائه في لجنة تحكيم «مهرجان دبي السينمائي الدولي» (راجع «الأخبار»، أول من أمس)، كي يفوز الفيلمان اللبنانيان المشاركان في المسابقة بأهم جوائز المهرجان.
ولا بأس من تصويب المعلومات الخاطئة التي يتضمّنها هذا الخبر، مع الاعتذار المسبق عن اللجوء إلى ضمير المتكلّم. بغضّ النظر عن التفصيل المضحك ـ المبكي المتعلّق بتمويل جريدة «الأخبار» الذي نتركه لحكم القارئ، فإن خياراتي للجوائز الرئيسيّة الثلاث، كانت: فيلم عمر حكّار «البيت الأصفر» (الجزائر)، وفيلم أحمد المعنوني «القلوب المحترقة» (المغرب)، وشريط نوري بوزيد «آخر فيلم».
دافع المخرج الأميركي الشهير مايكل تشيمينو بحماسة عن الفيلم اللبناني «تحت القصف» لفيليب عرقتنجي. وقال: «هذا النوع من الأفلام يجب أن تعرضوها أنتم العرب في الولايات المتحدة، لأننا لا نرى سوى الرواية الأخرى للصراع في منطقتكم». كان صاحب «صائد الأيّل» يشير إلى الإعلام الأميركي الذي أخفى جرائم إسرائيل خلال عدوان تموز (إطار أحداث الفيلم) وصوّرَنا في موقع الإرهابي والمعتدي... أما موقفنا، فهو أن عرقتنجي تعامل مع ذلك الحدث الفظيع من خارجه، ووظّفه وقوداً دراميّاً للتأثير على المشاهد. ولا بدّ من تهنئته، ما دام تشيمينو نفسه وقع في الفخ.
حين مال الزملاء إلى هذا الفيلم، لم أعارض، بل شرحت بعض حسناته وسلبياته (من وجهة نظر الوضع اللبناني) بموضوعيّة وأمانة. إن أعمال لجان التحكيم تخضع عادة لمعادلات كيميائيّة معقّدة ومركّبة، ليس بإمكان أحد أن يسيطر عليها. وخلال النقاش المحتدم، القائم أحياناً على سوء تفاهم «ثقافي» و«حضاري». ماذا يختار مخرج أميركي مثل تشيمينو؟ انطلاقاً من أيّة خلفيات جماليّة ونفسيّة وسياسيّة يقرأ الأعمال العربيّة، هو أو زميلته الالمانيّة مارغريت فون تروتا رئيسة لجنة التحكيم، أو زميلهما المنتج الإيطالي رينزو روزيليني؟ إلخ. لا بدّ ــــ كما يحدث دائماً في مثل هذه الحالات ــــ من تنازلات وقرارات توفيقيّة ترضي الجميع، ولو بالحدّ الأدنى.
أردتُ لبطل فيلم بوزيد، الممثّل التونسي لطفي عبدلّي أن يفوز بجائزة أفضل ممثل، لكنّ الأكثريّة فضلت نديم صوالحة عن دوره في الفيلم الأردني «كابتن أبو رائد»، فرضخت. وهو يستحقّها. تأرجحت جائزة أفضل ممثلة بين اللبنانيّة ندى أبو فرحات بطلة «تحت القصف»، والتونسيّة الممتازة حفصيّة الحرزي بطلة «أسرار الكسكس» فيلم الجزائري عبد اللطيف كشيش. ملت لندى أبو فرحات، وكانت لها الجائزة. وهي تستحقّها. ولو أن قانون المسابقة في مهرجان دبي يسمح بالمناصفة، لتشارك عبدلّي وصوالحة ربّما، أو أبو فرحات والحرزي...
أمّا برهان علويّة، فقبل أن أبادر وأقول إنّه أكبر سينمائيينا في لبنان، ولا بدّ أن يفوز بإحدى الجوائز، كان تشيمينو قد اقترح أن نمنح فيلمه «خلص» جوائز المونتاج والسيناريو والموسيقى. نجحنا في إقناع زميلنا بأن الشريط الصوتي للفيلم مجرّد تجميع لأغنيات معروفة، فعدل عن جائزة الموسيقى. أما جائزة السيناريو، فلو عاد الأمر لي، لمنحتها للزميلة علا الشافعي عن «بلد البنات» لعمرو بيومي (مصر). علماً أن زميلتنا في لجنة التحكيم الأديبة ميرال الطحاوي، رأت، قبل بدء المداولات، أنّه أضعف من أن ينال أية جائزة. المهمّ: ذهبت الجائزتان لبرهان، وفرحت له.
لم تكن داخل اللجنة أيّة تحالفات، خلافاً لما ذكر مراسل العربيّة نت الذي حرّف برأيي ما روته له إحدى الزميلات في اللجنة من باب «الفضفضة» إلى صديق، من دون أن تفطن إلى كونه قنّاص سبقات صحافيّة. ولعلّ تلك الزميلة فهمت ما دار خلال المداولات المغلقة للجنة، على غير ما هو. والأكيد أنّها كانت في حاجة إلى «فشّ خلقها» لشخص ما، لكونها لم تشارك كثيراً في النقاشات خلال جلسات التحكيم، ولو فعلت لقلبت ربّما معادلة الجوائز... كما فعل السينمائي البحريني بسّام الذوادي الذي كان دائم الحضور، ديناميكياً في مشاركاته، دبلوماسيّاً في تسوياته... أو زميلته الجزائريّة ليلى الصحراوي التي أبعدت مثلاً، منذ البداية، فيلم «البيت الأصفر»، كما أصرّت على تتويج نديم صوالحة!
يبقى أن الخبر المغلوط (لن نقول المغرض، فعلّه كتب عن حسن نيّة)، فيه معلومة صحيحة واحدة، هي أن مهرجان دبي، متمثّلاً بشخص مديره الفنّي مسعود أمرالله آل علي، احترم استقلاليتنا احتراماً مطلقاً، وتقيّد حرفيّاً بقراراتنا، ولم يدسّ أحد رجاله (أو نسائه) بين أعضاء اللجنة ــــ كما درجت العادة في بعض المهرجانات العربيّة ــــ كي يوجّههم نحو نتائج محسومة سلفاً، أو ينقل إليهم تمنيات الجهة المضيفة و«اقتراحاتها»!
هذا ما حدث في دبي. ليت زملاءنا أو المحسوبين على هذه المهنة، يبتعدون عن الفضائحيّة والتعميم والتسرّع والسبق الصحافي بأي ثمن (الخبر أعلن النتائج قبل حفلة الختام)، وغير ذلك من آفات خيانة الأمانة، والضرب تحت الزنّار!