محمد خير
«يا شعراء العالم اتحدوا! سئمت حزباً شيوعياً/ فشلت أن أجعله شيوعياً على بعد مترين من غرفتي/ لأني أفندي/ أجالس المثقفين القعدة/ وأهش على قصائدي». في ديوانه الجديد «حصيلتي اليوم... قبلة» (دار شرقيات ــــ القاهرة)، يواصل أشرف يوسف ما يمارسه شباب النثريين من اجترار ذكريات قبل أوانها، وإعلان اليأس من العالم ومحاولة التحلي بحكمة مبكرة... لا فرق بين حياة حافلة وأخرى سجينة، الكل يجد يديه خاويتن في النهاية: «هل سمعتم عن وردة ضاجعتني/ وفشلت أن أكون شاعرها العظيم؟/ كانت ــــ لو تهوي ــــ تستحيل زغباً/ لا يلبث أن يصير مثل أبخرة غائمة ومبللة/ تلمسني فأهرع لالتقاطها بين أسناني/ ألمسها فتشيخ/ أنتم يا شعراء وردتي/ جل ما أخشاه أن تكونوا مثلي متفرجين».
في مجموعته الجديدة يحاول الشاعر، على استحياء، أن يدخل في تماس مع الهم العام عربياً ومصرياً. في قصيدته «ولكل بيت... ولكل يوم»، يلقي بتحية الصباح على العراق، ليس أي صباح، إنّه «صباح مخلوط بجميع الوجوه/ المنكفئة خلف عريك/ كالفلاحين في زمن حصاد القمح/ جئتك من المخابئ/ تجويفًا موصولاً بالضجيج والشائعات»...
إن آلام البلاد أكثر من أن يستطيع الشاعر تجاهلها، يعود إلى وطن مشوه: «إلى قارة تحتضن نهر النيل الذي يبدو/ كملاك يشتغل بالإبرة/ لتكملة أياد وسيقان مبتورة/ في حوادث القطارات/ وتحت شرفة شاعر/ينقصه الإيمان بالحجر/ كأجمل جماد في يد الأطفال». ثم يعود الشاعر سريعاً إلى الهم الخاص، يمارس الهواية الشعرية المحببة في إطاحة الأب، يخاطبه: «تقتات ببراعة على الأفكار الميتة/ وما يدهشني... تلك الحيوية الآسرة الدافقة/ إنني أرثي لحالك/ كم أنت فقير لأن أمي/ لا تراك غير متهوس مفتون وعاجز/ لا يعرف كيف يصنع لنفسه كوباً من الشاي».
يخاطب الأم أيضاً: «أنا شخص فارغ يا أمي/ عشت سجينًا لقبلة في فمي/ لأني ما زلت ريفياً، لي فأس وعلى ذراعي أن تحملها/ حين تمضي السنين من فراغ يحتقرني إلى فراغ يمجدني/ كأنني كومبارس صامت/ يعلم الخاسرين الرقص على إيقاع يدك».
هكذا تمضي مع حديث الشاعر إلى أمه في قصيدته «تلغراف»، فقط لتكتشف أنه في الواقع يحدث أبيه مرة أخرى: روحي يائسة تناضل للوصول إلى ظلي/ أسحبه من تحت ثياب فتاة صادفت جسدي/ لنجهش معاً بالبكاء على مآسيك الكبيرة/ أيتها الوردة الذابلة التي ضاجعها أبي». هكذا، وفي ديوانه الرابع، ما زال الشاعر سجين ذاته.