خليل صويلح
هل كان عابد فهد يتوقع أن يعيده «الطريق إلى كابول» مجدداً إلى الواجهة؟ المسلسل الذي أوقف عرضه قبل ثلاث سنوات، ما زال يثير المشاكل. والممثل السوري متهم هذه المرّة بالإساءة إلى الإسلام... بماذا يردّ بطل المسلسل السجالي «دعاة على أبواب جهنّم»؟

لم يخطر في بال عابد فهد أن يقع يوماً ضحية جلال الدين حكمتي. هذه الشخصية التي سبق أن أدّاها الممثل السوري البارز، قبل ثلاث سنوات، في مسلسل «الطريق إلى كابول»، وضعته في مأزق جديد. وها هو العمل الذي أُوقف عرضه بعد الحلقة الثامنة، إثر تهديدات للجهة المنتجة (تلفزيون قطر) من جانب جماعات ظلامية وجدت فيه إساءة إلى جماعة «طالبان» الأفغانية، يعود اليوم إلى الواجهة، لكن بصورة أخرى. فقد استغلّت مجلة «فواصل» السعودية، في عددها الأخير، الصادر في 15 آب (أغسطس) الجاري، أحد مشاهد العمل، ونسبت ما جاء في المشهد إلى عابد فهد شخصياً، وذلك عبر تحوير وقائع المشهد الحقيقي، وإضافة توابل صحافية بوضع عنوان مثير أبرزته على الغلاف: «عابد فهد يسيء إلى القرآن الكريم بكل بجاحة». وسينتبه القارئ إلى أنّ التقرير مغفل، فيما يُفترض أن يكون «خبطة صحافية»!
وفي التفاصيل أنّ عابد فهد «ألقى القرآن الكريم أرضاً من دون مبالاة، ما أثار غضب ممثل خليجي (لم يُذكر اسمه) كان حاضراً، وتطور السجال بينهما إلى الاشتباك بالأيدي، إلا أن الحضور فرّق بينهما». وطالبت المجلة عابد فهد بالاعتذار و«التوبة». ودعت المنتجين والمخرجين إلى «مقاطعته فنياً»، وإلا فإن المجلة ستشهّر به «وأنت تعرف «فواصل» وحجم انتشارها».
يقول عابد فهد مستنكراً: «لا أشكّ مطلقاً في أنّ وراء هذا الخبر مصالح شخصية ضيّقة للإساءة إلى سمعتي الشخصية والفنية، إذ إن الممثل الخليجي المشار إليه في الخبر، كان يرغب في تأدية إحدى شخصيات العمل، لكن المخرج محمد عزيزية أسند إليه دوراً آخر، وحين استشارني، وافقته على ذلك. لكنني لم أتوقع أن ينتقم مني الممثل بهذه الطريقة الرخيصة، وأن يتواطأ مع أحد محرري المجلة لإنجاز صفقة بينهما، باستغلال قدسية القرآن الكريم، وإلصاق تهمة من هذا الحجم بحقي وأنا منها براء، من دون الاتصال بي للتأكد من صحة الواقعة... وحين اتصلت بمدير تحرير المجلة عبد الله العتيبي لمعرفة من وراء هذا التقرير، مطالباً إياه بتكذيبه على الفور، ادعى أنّه كان مسافراً أثناء طباعة العدد، ووعدني بنشر توضيح لملابسات القضية في العدد المقبل، وأنا في انتظار اعتذار واضح من المجلة، وإلا فسأضطر إلى مقاضاتها». ويعلّق: «هل يُعقل أن تصل الأمور إلى هذا الدرك من اللامسؤولية والتلاعب بمصير الآخرين؟». ثم يوضح قائلاً: «أعتقد أن الشرارة التي بُنيت عليها الشائعة واستغلّها الممثل الخليجي ومحرر المجلة، تتعلق بمشهد من «الطريق إلى كابول». إذ يمثُل جلال الدين حكمتي (عابد فهد) أثناء اعتقاله من الجيش السوفياتي في أفغانستان أمام ضابط روسي للتحقيق معه، وهو مكبّل بالسلاسل. وأثناء مغادرته غرفة التحقيق إلى زنزانته، يقع منه كتاب كان يخبئه في صدره، فيحاول أن يلتقطه، لكنّ الضابط يمنعه، ثم يتدخل ضابط آخر ويسمح له بالتقاطه. وعندما يستفسر المحقق عن الكتاب، يقول له زميله: «هذا كتابه المقدس»، فيناوله إياه. وحين يلتقطه، يقبّل الشاب الأفغاني القرآن الكريم ثم يضعه على جبينه، ما أثار فضول المحقق، ليتحول لاحقاً إلى الدين الإسلامي، بعد اطلاعه على محتويات القرآن الكريم». ويضيف عابد فهد: «إلى هذه الدرجة يصل التلفيق والإثارة الصحافية حتى ولو من طريق استغلال الكتب المقدسة من أجل انتقام شخصي رخيص أو في سبيل دور ثانوي في مسلسل؟».

«الليلة الثانية بعد الألف»

هذه القضية على خطورتها وأبعادها، لم تمنع صاحب شخصيات «الظاهر بيبرس»، و«الحجاج بن يوسف»، و«جساس بن مرة»، من وضع اللمسات الأخيرة على مسلسله الجديد «الليلة الثانية بعد الألف» من إنتاج شركته الجديدة «إيبلا للإنتاج الفني»، وإخراج عامر فهد. في العمل، يؤدي عابد فهد دور شهريار بحلّة عصرية، إذ يستيقظ ذات صباح ليجد نفسه فجأة في مدينة دبي مطلع القرن الحادي والعشرين، فتضطر «شهرزاد» (أمل عرفة) إلى أن تخترع حكايات عصرية تتلاءم مع مجريات الحياة الحديثة، وتتطرق إلى قضايا اجتماعية وسياسية راهنة في إطار كوميدي جذّاب.
لا يخفي الممثل السوري قلقه مما يحاك ضد الدراما السورية من مكائد، ويقول محذراً: «هذه الدراما في خطر، ذلك أنّ النجاحات الباهرة التي حققتها في العقد الأخير، صارت اليوم في مهب الريح». ويوضح: «حتى هذه اللحظة، لم أتفق مع أي محطة عربية لعرض المسلسل حصرياً»، مشيراً إلى ضرورة أن يتبنى التلفزيون السوري والمحطات السورية الخاصة الأعمال الدرامية المحلية ودعمها إنتاجياً، «بعدما صارت خارج التغطية، وفي وسط الحصار، وإلا فسنجد أنفسنا حتماً أمام مصير مجهول». ويتساءل: «ما السر في تراجع كمية الإنتاج الدرامي السوري من أربعين مسلسلاً في الموسم الماضي إلى 23 هذا الموسم. أليس هذا الواقع دليلاً على أن هذه الدراما التي كانت صناعة ثقيلة، وجواز مرور ثقافي وحضاري سوري إلى العالم العربي، في طريقها إلى الانهيار؟»، قبل أن يستدرك: «نعم أنا قلق على مستقبل الدراما السورية».

بازار فنّي

حين نسأله عن حقيقة ترشيحه لشخصية خالد في مسلسل «ذاكرة الجسد»، وسبب توقف العمل فجأة، يجيب: «كنت مقترحاً للدور، لكن الجهة المنفذة للعمل «المركز العربي للإنتاج»، أدخلت الفنانين في نفق المساومات على الأجور، وشخصياً أرفض الدخول في هذا «البازار»، من موقع الحرص على سمعة الفنان السوري وأجره. وإنني رفضت العمل في مسلسل «أبو جعفر المنصور» الذي تنتجه الشركة نفسها وللأسباب نفسها». وبخصوص توقف العمل بعد تحضيرات طويلة، يشير إلى أنّ أحلام مستغانمي، صاحبة النص الأصلي، «لم تكن راضية على سيناريو العمل، فتدخلت لدى تلفزيون «أبو ظبي»، وطُويت الفكرة».




بيان تضامني

أصدرت مجموعة من المثقفين السوريين بياناً تضامنياً مع الفنان عابد فهد، تستنكر فيه الحملة التي قادتها المجلة السعودية. ورأى البيان أن ما نشر يشكّل إساءة متعمدة لعابد فهد وللفنان السوري عموماً، وهو «حلقة من حلقات الإرهاب الفكري التي تمارس على الفن السوري في الفترة الأخيرة، الدرامي منه، على نحو خاص، عبر استغلال قضية مقدسة، هي «الإساءة إلى القرآن الكريم»، لإثارة صحافية مجانية، وذرائع شخصية لا تمت إلى الإبداع بصلة». كما جاء في البيان «إن الوسط الثقافي والفني في سوريا، يستنكر بشدّة التطاول على الإبداع وتحويله إلى مجرى آخر يفتقد الصواب والدقة». وختم البيان بالقول: «نحمّل المجلة المذكورة تبعات هذه القضية وما ينتج منها من ملابسات ومخاطر، ونطالبها بالاعتذار العلني من الفنان، لأن الإساءة إليه تطال الفن السوري عموماً». ووقّع البيان عشرات المثقفين والفنانين السوريين، نذكر منهم: بسام كوسى، محمد جمال باروت، نزيه أبو عفش، نبيل المالح، هيثم حقي، محمد ملص، نبيل سليمان، إبراهيم الجرادي، حازم العظمة، محمد عزيزية، ثائر ديب، نجيب نصير، خالد خليفة، نائلة الأطرش، أنور قوادري، عبد المنعم عمايري، أمل عرفة، هالا محمد، طاهر مامللي، هنادي زرقة...
من جهته، أرسل محمد عزيزية مخرج مسلسل «الطريق إلى كابول» فاكساً للفنان عابد فهد يستنكر فيه ما حدث له جراء الخبر. وقال إن الحادثة مزوّرة وملفقة، ولم تحدث على الإطلاق». فيما أرسل الفنان الأردني عاكف نجم الذي أدى شخصية الضابط الروسي رسالة عبر البريد الإلكتروني، يدافع فيها عن عابد فهد فناناً وإنساناً، وقال إن سلوكه الفني والإنساني فوق مستوى الشبهات.