محمد شعير
هل هناك لغة مثالية؟ يطرح الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو هذا السؤال في كتابه «حكايات عن إساءة الفهم» الذي ترجمه الروائي المصري ياسر شعبان، وصدر ضمن سلسلة «آفاق عالمية» عن «هيئة قصور الثقافة».
يتضمّن الكتاب ترجمة لثلاث محاضرات ألقاها صاحب «اسم الوردة» في الولايات المتحدة، وتتناول ثلاثة مواضيع مهمّة: «اللغة، العلاقة بين الثقافات، والعلاقات المتبادلة بين المؤلف والنص». وتطرح المواضيع الثلاثة سؤالاً واحداً عن التواصل بين البشر.
ينتقد إيكو بحث البشرية عن «لغة مثالية» يتكلّم بها الناس جميعاً، معتبراً أنّ انتقاد اللغة المثالية سيسهم في جعلنا نفهم بعض الأمور وراء نجاح لغتنا غير المثالية في أداء دورها. النتيجة التي يصل إليها إيكو في بحثه عن اللغة المثالية يقتبسها من ابن حزم «في أي لغة يستطيع الناس اكتشاف الروح، التنفس، العطر... اللسان الأصلي متعدد اللغات. ولنقبل الاقتراح الموحي الذي يأتينا من بعيد. فلهجتنا الأم ليست لغة وحيدة إنما هي مركّب من كل اللغات».
يعتبر الروائي والمفكّر الإيطالي البارز أنّ اختلاف اللغات والرؤى تجاه العالم هو الذي أدى إلى وقوع سوء فهم بين الثقافات. لذا عندما تتقابل ثقافتان، تقع صدمة بسبب الاختلاف بينهما. وهنا تبرز ثلاثة احتمالات: الإخضاع، أو السطو الثقافي، أو التبادل.
في حالة الإخضاع، تُطلق الثقافة الأولى على الثانية اسم «برابرة»... أي أنّها تنتمي إلى كائنات غير قادرة على الكلام، وبالتالي فهي تضم كائنات غير إنسانية. ثم تسعى إلى تحويل كائنات تلك الثقافة الأخرى إلى نسخ مقبولة عنها أو تدميرها. أما في حالة السطو الثقافي، فتنظر إحدى الثقافتين إلى أهل الثقافة الأخرى بوصفهم «حملة حكمة مبهمة». هكذا تحاول أن تفرض حضورها سياسياً وعسكرياً بدلاً من اللجوء الى الثقافة، وفي الوقت نفسه تحترم الثقافة الغريبة عنها وتسعى إلى فهمها وفكّ شفرتها. وأخيراً يأتي التبادل، ويجسّده خير تجسيد ما حصل في الاتصال المبكر بين أوروبا والصين، في زمن ماركو بولو. إذ تبادلت الثقافتان الأوروبية والصينية أسرارهما، فتلقى الصينيون ــــــ من طريق جماعات التبشير اليسوعي ــــــ كثيراً من أوجه العلم الأوروبي، بينما حمل اليسوعيون إلى أوروبا أوجهاً كثيرة من الحضارة الصينية. وما زال الإيطاليون والصينيون يتجادلون مثلاً في مَن ابتكر السباغيت... كل ذلك قبل أن تدمر نيويورك كل شيء بابتكارها السباغيتي بكريات اللحم.
ويرى إيكو أن ما ذكره عن نتائج صدمة الاختلاف بين الحضارات، لا يتجاوز نماذج مجرّدة... لأنّنا واقعياً نجد حالات متنوعة تتداخل فيها الاحتمالات الثلاثة التي ذكرها. المحاضرة الأخيرة التي يتضمنها الكتاب، تحمل عنوان «المؤلف ومفسّروه». وفيها ينصح إيكو الشعراء والروائيين «بعدم تقديم أي تفسيرات لأعمالهم، لأن أيّ نص هو آلة تخيّلية لإثارة عمليات التفسير»، أو «نزهة يشارك فيها المؤلف بالكلمات والقارئ بالمعنى».