فيما الأشكال الإبداعية المتعارف عليها تعيش المأزق الجمالي والإنتاجي الذي نعرف، هناك أشكال أخرى، بديلة، تواصل تقدمها البطيء نحو مزيد من التكريس والانتشار والشرعيّة. وجاءت حرب تموز بمثابة الصدمة التي دفعت جيلاً جديداً إلى بلورة تجارب راديكاليّة في الموسيقى والفنون البصريّة على السواء...


حسين بن حمزة

بيروت يتيمة تنظر بقلق إلى المستقبل

يبدو أن السياسة بتفصيلاتها المختلفة هي التي احتلّت مساحة عام 2006، حتى يمكن الحديث عن حصاد سياسي أكثر منه عن حصاد ثقافي. إذ ما من حدث أدبي استطاع أن يغطي على الوقائع السياسية، خصوصاً في النصف الثاني من عام 2006 الذي بدأ بحرب تموز، والأزمة السياسية التي تلتها، ولا تزال مستمرة... بل تنذر بأنها ستقضم بعضاً من مشهد السنة الجديدة أيضاً. تعطل الموسم الثقافي العادي في لبنان، وتأجلت مواعيد مهمة في روزنامة عام 2006 ومنها ما أُلغي. مهرجانات بعلبك وبيت الدين كأنها لم تُقم. الأجندات العادية لصالات الفن التشكيلي لم تنفّذ كاملة. المسارح ألغت جزءاً كبيراً من عروضها. الا أنّ ذلك لم يمنع من اقامة مسرحية “صح النوم” التي استعادتها فيروز مع زياد الرحباني، بعد ثلاثة عقود على ولادتها. وجاءت تظاهرة “المسرح مدينة مفتوحة” بحصادها الفرنكوفوني الضحل، فرصة أمام روجيه عسّاف كي يستعيد “مسرح الحكواتي” في مسرحيّة “بوابة فاطمة” التي صدمت الجهات الفرنسية المنظمة في موقفها المؤيّد للمقاومة. فيما قدم ربيع مروّة عرضاً محاضرة بعنوان “ما بعد المسرح”... وكان قد لفت الأنظار بعرضه “كيف أقلع عن التدخين” الذي أعاد تقديمه أيضاً في مناسبة فوز كريستين طعمة (أشكال ألوان) بجائزة “برينس كلاوس”.
وخسر المسرح العربي الكاتب عصام محفوظ، أحد رموز نهضة السبعينيات، الذي مات وحيداً ومنسياً على فراش المرض. وما إن توقّف عدوان تموز، حتى احتضنت بيروت 3 مهرجانات سينمائية في شهرين. “أيام بيروت السينمائيّة”، و“مهرجان بيروت السينمائي الدولي”، و“مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية” أعادت الى بيروت الطالعة من الحرب الحصار بعضاً من ألقها الضائع. وفي ما يتعلّق بالانتاج السينمائي، نشير الى “أطلال” فيلم غسان سلهب الروائي الثالث الذي يمكن اعتباره أبرز أحداث السينما اللبنانية. فيما حصل “فلافل” باكورة ميشال كمّون في مجال السينما الروائية على جوائز في مهرجانات عالميّة. وقدمت مي المصري شريطاً وثائقياً يعرّي أسطورة 14 آذار، بعنوان “يوميات بيروت: حقائق وأكاذيب” حقق بدوره حضوراً لافتاً في مناسبات عالمية وعربية.
وإذا حصرنا الحديث بعالم النشر، فسنجد أن السياسة ستطل برأسها أيضاً. العدوان الاسرائيلي كان له تأثير واضح في دور النشر: تضررت مطابع كثيرة في ضاحية بيروت الجنوبية. وتردّد الناشرون أنفسهم في إصدار كل ما برمجوا نشره. الضربة القاضية جاءت بعد انتهاء الحرب، وبدء الأزمة السياسية. إذ اضطر “النادي الثقافي العربي” لإلغاء “معرض بيروت العربي والدولي للكتاب” وهو ما لم يحدث حتى في سنوات الحرب الأهلية. كما ألغي معرض الكتاب الفرنكوفوني، واستعيض عنه بلقاءات مع كتّاب أجانب ولبنانيين.
بإلغاء المعرضين، فقد الكتاب اللبناني أهم سند له، وباتت إصدارات عام 2006 أشبه باليتيمة. وبات على كل ناشر أن يكتفي بالوتيرة الاعتيادية في توزيع الكتب، وقد تنعكس خسائر العام الماضي سلباً على حركة النشر في 2007، بحكم اضطرار الناشرين إلى تقليص عدد الاصدارات الجديدة. وشهد العام الفائت أيضا عقد أول مؤتمر لقصيدة النثر في بيروت شارك فيه شعراء ونقاد من لبنان والعالم العربي.
وكان للشعر حضور واضح ولافت، بين العناوين الصادرة في العام الماضي، من خلال المشروع الضخم الذي حققته “دار النهضة العربية” ونشرت لحوالى عشرين شاعراً: شوقي أبي شقرا، سركون بولص، محمد بنيس، محمد علي شمس الدين، عبد المنعم رمضان، حسن نجمي، عبد الله زريقة... وعلى رغم أهمية المشروع، وتجنب معظم الناشرين دواوين الشعر، كان للأسماء المكرسة الثقل الأكبر، بحيث افتقد المشروع روح المغامرة في تبنّي أسماء شابة أو تجارب جديدة. وهو ما فعلته دار “إكس أو” الصغيرة حين طبعت لعدد من الأصوات الشابة الجديدة. وعلى صعيد الشعر اللبناني، نشر كل من عباس بيضون ومحمد علي شمس الدين وبسام حجار وجودت فخر الدين وعناية جابر وناظم السيد وسوزان عليوان وصباح زوين وزكي بيضون ورامي الأمين وعلي زراقط مجموعات شعرية جديدة، بينما غاب شعراء كثيرون. وفي الرواية حضر الياس خوري وعلوية صبح وجبور الدويهي ومي منسى... وتمثلت الملاحظة الأبرز في “الغزو” الروائي السعودي. فبعد النجاح التجاري الذي حصدته “بنات الرياض” لرجاء الصانع، دخلت كل من ليلى الجهني (جاهلية) وإبراهيم بادي (حب في السعودية)، وصبا الحرز (الآخرون)، ووردة عبد الملك (الأوبة) إلى السوق. وبات يمكن القول إن المشروع الشعري لـ“دار النهضة” والروايات السعودية شكّلا علامة فارقة في منشورات 2006.




مصر

القاهرة تودّع العام بأول مسرحية إسلامية

محمد خير

كان أحمد عبد الله رزة في منزله، يضع اللمسات الأخيرة على كتابه الجديد عن الديمقراطية، عندما سقط ومات. هكذا رحل المناضل الأربعيني، نجم الحركة الطلابية في السبعينيات، من بين من رحلوا في مصر في 2006. رحيل نجيب محفوظ كان يكفي وحده عنواناً للعام الذي مضى. الا أنّ هناك آخرين رحلوا أيضاً، كل منهم “دولة” مستقلة في حد ذاته. وإلا فماذا يكون عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس، واسماعيل صبري عبد الله ويوسف درويش و“القديس” نبيل الهلالي، وأحمد مستجير ومحمد عودة؟ رحيل هذا الأخير استفز عبد الرحمن الأبنودي، فكتب أخيراً قصيدة في “أخبار الأدب”: “وفي بلادنا كما تعرف/ بيعلا السعر بعد الموت/ لكن فيه ناس كما تعرف/ تمنها فيها يا مولاي”.
وإذا كان عام الرحيل استفز الأبنودي، فإن أحمد فؤاد نجم استفزته خطبة جمال مبارك في بداية السنة، فكتب قصيدته: “يا عريس الدولة/ يابو شنة ورنة/ يا واخدنا وراثة/ أطلب واتمنى”. إذاً، عام افتتح بقصيدة واختتم بأخرى، وفي الحالتين فرح الناس بعودة كبيرين إلى الكتابة، كل على طريقته. إلا أن الحديث عن الرحيل، لا يكتمل من دون الحديث عن “أولاد حارتنا”، رواية محفوظ الملعونة التي أصدرتها أخيراً “دار الشروق”، بعدما ظل الراحل يرفض طبعها من دون موافقة الأزهر، وفق كلمة شرف التزمها مع جمال عبد الناصر. لكن “الشروق” عدّت نفسها في حل من الوعد بعد رحيل المتواعدَين، فصدرت الرواية بعد نصف قرن من المنع. وستُصدر الدار رواية أخرى قريباً هي “شيكاغو” لعلاء الأسواني، صاحب “عمارة يعقوبيان” الشهيرة. وتصدر الرواية حالياً مسلسلة في صحيفة “الدستور” المستقلة. ورغم الشعبية التي تحظى بها، لم يخلُ الأمر من رسائل بلغت الصحيفة احتجاجاً على مشاهد “جنسية” في الرواية. ثمّة كتب صودرت، أشهرها “الشيوخ المودرن وصناعة التطرف” لمحمد فتوح. أما كتاب “من أوراق شاهندة مقلد” الذي أعدته شيرين أبو النجا، فمعرّض للمصادرة، بعد الدعوى التي رفعها ورثة عائلة الفقي على مقلد وأبو النجا، ومحمد هاشم صاحب دار “ميريت للنشر” الصادر عنها الكتاب. ومقلد هي زوجة صلاح حسين الذي قتل وسط الفلاحين في الستينيات أثناء معركة ضد عائلة الفقي الإقطاعية.
وبعيداً عن القضاء، حازت جائزة رجل الأعمال نجيب ساويرس مزيداً من الاهتمام في دورتها الثانية، وفاز بها إبراهيم أصلان عن القصة القصيرة والمنسي قنديل عن الرواية. وتجدر الاشارة إلى أن المبدعين والمثقفين المصريين رفعوا الصوت عالياً، خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان في الصيف الماضي... وكان حضور بعض الأسماء البارزة، على الفضائيات أو ميدانياً، عاملاً مهمّاً في دعم المقاومة، وتحريك الرأي العام في العالم العربي.
أما الحدث الأغرب، فهو الذي اختتم به العام. على مسرح “فيصل ندا” في وسط القاهرة، بدأ عرض مسرحية “إرفع إيدك” للمخرج كمال عطية. ومكمن الغرابة أنها تعد أول مسرحية “إسلامية” في التاريخ المصري، إذ تخلو من الممثلات ومن الموسيقى! وهو ما أثار غضب العديد ويجزم بأن 2007 لن يكون أقل احتقاناً من الذي سبقه.




المغرب

عام السينما بامتياز والمسرح يواصل القهقرى

ياسين عدنان

لم تمنع سقطة فيلم نرجس النجار (انهض يا مغرب) المدوية في مهرجان مراكش الأخير المتابعين من اعتبار 2006 موسماً استثنائياً للسينما المغربية. لم يسبق للفن السابع المغربي أن انخرط في دينامية جادة مثلما حصل هذا العام. 15 فيلماً روائياً وأكثر من 80 فيلماً قصيراً أنتجها المغرب. والنتيجة تصَدُّر ثلاثة أفلام مغربية لائحة الأفلام العشرة الأولى التي استقطبت جمهور القاعات السينمائية، منها فيلم “ماروك” لليلى المراكشي الذي جاء في المرتبة الأولى. هكذا، تحققت المصالحة بين صُناع الصورة المغربية وجمهورهم. ولتعزيزها، دخل التلفزيون على الخط. إذ شهد 2006 عملية ضخمة أقدمت عليها “الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة” و“شركة عليان للإنتاج” التي يملكها المخرج نبيل عيوش. إذ أُنتج 30 فيلماً في 18 شهراً. وهي الأفلام التي ستُحوّل إلى أشرطة لعرضها في الصالات السينمائية. هكذا، تحقق لأول مرة في المغرب زواج بين السينما والتلفزيون.
وإذا كانت السينما قد حظيت بالكثير من الدعم، فالمسرح عاش التهميش الكلي. صحيح أن 2006 شهد حصول مسرحيين على حقّ الضمان الصحي، وافتتاح مسرح “محمد السادس” في الدار البيضاء، لكن ذلك لا يخفي تراجع المسرح المغربي عن الدور الذي كان يؤديه في محيطه الإقليمي. الطيب الصديقي المنشغل بتشييد مسرحه الخاص في الدار البيضاء لم يبدع جديداً. ثريا جبران استعادت عملاً قديماً (أربع ساعات في شاتيلا) تحت ضغط تكريمها خلال مهرجان دمشق. وتبقى مبادرة “لنذهب إلى المسرح” التي نظمتها “مؤسسة الفنون الحية” أحد أهم الأحداث المسرحية التي عرفها عام 2006. أما المشهد الأدبي فلم يشهد أحداثاً قوية، باستثناء بعض جوائز حصل عليها عدد من الأدباء المغاربة، كجائزة “السلطان قابوس للإبداع الثقافي” التي حازها الروائي مبارك ربيع مناصفة مع علوية صبح، وجائزة “كالوبزاتي” الإيطالية التي حصل عليها محمد بنيس عن الترجمة الإيطالية لديوانه “هبة الفراغ”. فيما فاز الشاعر عبد اللطيف اللعبي بجائزة “ألان بوسكي”. أما الأديبة مليكة مستظرف فكانت جائزتها... الراحة الأبدية هي التي عانت طويلاً المرض، والقهر السياسي والاجتماعي، وعبّرت عن معاناتها في كتابات نادراً ما نقع على ما يشبهها في المكتبة العربيّة...




أبوبكر زمال

الجزائر: سينما ومسرح وانشقاقات أدبية


لعل أهم حدث ثقافي في 2006 الإعلان عن تظاهرة الجزائر عاصمة ثقافية لعام 2007. الا أنّ صراعات وصلت لأول مرة إلى المحاكم، مثل ما حدث مع «اتحاد الكتاب الجزائريين» الذي انقسم بين تيار محافظ وآخر مجدد. وأطلت السينما من خارج الحدود، فعُرضت أفلام من إنتاج مخرجين فرنسيين من أصول جزائرية، منها فيلم «بركات» لجميلة صحراوي الذي حاز جائزة أفضل فيلم في مهرجان دبي السينمائي.
«مهرجان المسرح المحترف» عاد بعد غياب 10 سنوات مكرماً شخصيات مسرحية راحلة فيما جاء المعرض الدولي للكتاب، واجهة لأعمال مكررة. ومُنع 500 كتاب بحجة التحريض على التطرف. وحاز الروائي الطاهر وطار جائزة «الشارقة للإبداع».
ولم يسلم المشهد من جدل أثاره ياسمينة خضرا عندما وصف الصحافة الجزائرية بأنها لا تقرأ خلال حديثه عن روايته «الاعتداء». كما تعرّض أنور بن مالك لحملة إثر صدور روايته «آه ماريا» بحجة أنها تحوي تهجّماً على الإسلام.




العراق

مدينة الثقافة يحكمها ملوك الظلام

سعد هادي

لم تمر سنة سوداء على الثقافة العراقية مثل 2006، على رغم المحاولات التي بذلها فنانون وأدباء ظلوا في الداخل مختارين او مجبرين. بين مطرقة الظلاميّة وسندان الاحتلال، تراجع الإبداع إلى المواقع الخلفيّة... واختبأ مذعوراً في الهامش الضيّق! شهدت بغداد فعاليات ثقافية قدمها صانعوها في ايام خطرة، وعروضاً لم يعلن عنها حتى اللحظة الاخيرة لأسباب امنية. باختصار، يشبه الوضع مواجهة حادة بين بصيص نور وظلام مطبق يزداد ملوكه تسلّطاً ووحشية كل يوم.
المسرح مثلاً، لم يتوقف، واستمر فنانوه في تقديم عروضهم، وإن استمر العرض يوماً واحداً كما حصل لمسرحيات “نساء في الحرب” لجواد الاسدي، و“البنادق” لمثال غازي وغيرها. العروض قدمت على خشبة المسرح الوطني في بغداد، الى جانب عروض تجريبية شاركت في مهرجانات خارج العراق، واستقطبت حضوراً جماهيرياً لافتاً، فسّره النقاد برغبة في التعرف الى حقيقة ما يجري هناك. السينما لم تقدم سوى فيلمين قصيرين هما “قطرات بيضاء متصلة” (سيناريو وإخراج صائب حداد) و“شيء من الانتباه” للمخرج المسرحي فتحي زين العابدين. هكذا، اكتفى سينمائيو الداخل برؤية تجارب زملائهم في الخارج مثل “غير صالح” لعدي رشيد و“احلام” لمحمد الدراجي. “اتحاد ادباء العراق” الذي علقت عضويته في اتحاد الكتاب العرب، ولم توجه الدعوة لممثليه إلى المشاركة في مؤتمر الاتحاد الاخير الذي عُقد في القاهرة لأول مرة بعد اتفاقية كامب دايفيد، استمر في اقامة صباحاته الثقافية بعدما تعذر اقامتها مساءً. لكن الحضور اقتصر على جمهور محدود وحال حظر التجوّل الذي فرضته السلطات دون اقامة هذه الصباحات دورياً.
مؤسسة “المدى” أقامت مهرجانها الثالث للثقافة في اربيل (شمال العراق) هذه المرة بحضور ادباء وفنانين من داخل العراق وخارجه وبمشاركة عربية كان ابرزها عباس بيضون ومحمود حميدة وعلي بدرخان. وعلى صعيد النشر، لم تستطع “دار الشؤون الثقافية”، وهي الوحيدة في هذا المجال، أن تتخطى ازمتها وتعالج الاخطاء التي وقعت فيها اداراتها المتعاقبة. ما تنشره الآن يعبّر عن هيمنة مراكز القوى الطائفية فيها. ومن العناوين المثيرة التي صدرت: “مقدمة في السؤال اللاهوتي الجديد” لعبد الجبار الرفاعي، و“اشكالية السلطة في تأملات العقل الشرقي القديم والاسلامي الوسيط” لعامر حسن وعلي عباس مراد.
راحلو الثقافة عام 2006 كانوا من الكبار حقاً: المخرج المسرحي عوني كرومي رحل في المانيا مقر اقامته، والشاعر كمال سبتي رحل في هولندا. وشهدت بغداد رحيل عيسى مهدي الصقر الرائد القصصي، وكامل مصطفى الشيبي مؤلف “الصلة بين التصوف والتشيع”، وعبد الامير الورد الشاعر والمسرحي والباحث اللغوي. كما شهدت اربيل رحيل الرائد المسرحي خليل الرفاعي بعد تعذر علاجه في بغداد... وشهدت كركوك رحيل الكاتب الستيني البارز جليل القيسي. وشهدت سامراء اغتيال الشاعرة والمراسلة الصحافية اطوار بهجت. كما اغتيل في بغداد “شيخ المخرجين العراقيين” حسين التكريتي مع آخرين. وتبدو القائمة مرشحة للامتداد رغم احتجاجات المثقفين. القتلة كما يبدو ــ وكما نعرف منذ الازل ــ لا يعرفون القراءة ولا يجيدون الإصغاء.




فلسطين

الفنون البديلة تستولي على الجدار والشرق الأوسط الجديد

نجوان درويش

بدا المشهد الثقافي الفلسطيني في عام 2006 الأكثر قتامة منذ “أوسلو”. وصل المشهد السياسي في تردّيه حدوداً غير مسبوقة، بدت فيه الثقافة عاجزة عن أداء أي دور مهما كان ضئيلاً. ولعل نتائج العدوان الاسرائيلي على لبنان هي الانعكاس الإيجابي الوحيد. إذ انتشلت المعنويات المنهارة، وقدمت نموذجاً لجدوى فكرة المقاومة، بعدما بدا التسليم بشروط الهزيمة التاريخية بمثابة قدر إغريقي لا مناص منه.
سجل عام 2006 تراجعاً في النتاج الأدبي. توقفت “جائزة فلسطين” ومجلة الكرمل عن الصدور. لكن شهدت الساحة حركة وانتعاشاً ملحوظين في مجال الفنون البصريّة، من خلال عشرات المعارض الفردية والجماعية التي شهدتها المدن الفلسطينية... وأصبح الجدار الإسرائيلي مادة أساسية للفنون البصرية. وقُدّمت عشرات الأعمال من أفلام ومعارض فن تشكيلي تصوّر الجدار. الأوساط التشكيلية فقدت الفنان إسماعيل شموط الذي وثّق بتعبير فني مباشر، وأسلوب يقترب من فن البوستر، سيرة الشعب الفلسطيني. كما تعرض الفنان كمال بلاطه لسرقة أعماله من باحثة إسرائيلية أصدرت كتاباً بالانكليزية بعنوان “الفن الفلسطيني” انتحل من أطروحته في تاريخ الفن الفلسطيني. أما الانتاج السينمائي فشهد حركة مطردة. في تجربته الإخراجية الثانية، يسرد محمد بكري في “مِن يوم ما رُحت” حوادث الأعوام العشرة الأخيرة على مسمع صديقه ومعلّمه الراحل إميل حبيبي. ويأتي الفيلم استعادة لذكرى صاحب “المتشائل” في الذكرى العاشرة لرحيله التي تزامنت أيضاً مع صدور أعماله الكاملة بعد تنازع بين ورثة حبيبي ومديرة مكتبه، رفيقته سهام داوود مديرة “دار عربسك” التي أسسها الراحل، ورئيسة تحرير “مشارف” الأدبية الفصلية الصادرة عن الدار.
الحياة الموسيقية تقاسمت مع الفنون البصرية القسم الأكبر من الفعاليات التي قُدّمت على مدار السنة. برزت ظاهرة الراب الفلسطيني، وتركت الحرب على لبنان بصماتها على كلمات الاغنيات. وإثر الحرب، انطلقت فرقة “جي تاون” في القدس بأغنية “شرق أوسط جديد”. وأصدرت فرقة “دام” ألبوماً عن شركة إنتاج بريطانية، ما عُدّ فرصة أمام الراب الفلسطيني، وإشارة إلى ارتفاع حظوظه برعايته من شركات إنتاج عالمية.
قرار وزراء الثقافة العرب إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009 ــ بعد اعتذار بغداد عن ذلك لأسباب امنية ــ جاء منسجماً مع السياسة الاعتباطية في اختيار عواصم الثقافة العربية. في حالة القدس، يكشف هذا الاختيار عن تعامل الثقافة العربية برمتها مع القدس، كأنه موضوع غنائي بلاغي منفصل عن الواقع. إذ يحتاج إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية الى تحضيرات لا تحظى المدينة بشيء منها. وفيما تمنح “اسرائيل” جائزة عالمية باسم “القدس الإسرائيلية” تُسلّم سنوياً في “معرض القدس الدولي للكتاب”، يكتفي الخطاب العربي بأهازيج فولكلورية من دون عمل معرفي جاد. ما دام التحرير غير وارد “في المرحلة الحالية” وحتى التسوية المذمومة نفسها صارت بعيدة المنال.. هل ضروري أيضاً وضع “الثقافة العربية” في مرمى الإخفاق!




سوريا

دمشق في غيبوبة... والمجتمع المدني هو الأمل

خليل صويلح

“حراك ثقافي مرتبك ومبادرات فردية تشبه جزراً معزولة. وإذا بالمشهد يتكشف عن صحراء قاحلة وموت تدريجي وربما غيبوبة طويلة”، بهذه العبارات يمكن وصف حال الثقافة اليوم في ظل الأحداث السياسية التي خيمت على كل ما عداها. هكذا جاءت احتفالية “حلب عاصمة للثقافة الإسلامية” بالتوازي مع مدينة أصفهان الإيرانية لتفتتح العام المنصرم. مجرد عنوان عريض لتمجيد تاريخ مدينة سيف الدولة الحمداني. وإذا ببلاط الأمير الحلبي الذي كان ملاذاً للمتنبي وأبي فراس الحمداني، يتحول إلى شعار خاوٍ يفتقد إلى ألق الماضي. هذه المدينة التي أنجبت المفكر التنويري عبد الرحمن الكواكبي ومئة صحيفة تخلو اليوم من لحظتها الفكرية والتنويرية وتستيقظ بضجر على صحيفة محلية واحدة.
انتهت الاحتفالية من دون أن تترك أثراً واضحاً في الحياة الثقافية. الأمر عينه تكرر في الندوة التي استضافتها وزارة الثقافة في الذكرى التاسعة لرحيل الشاعر نزار قباني. فقد جاءت مرتجلة كما لو أنها تأبين آخر لصاحب “الرسم بالكلمات”. تفوّق الإنشاء المدرسي على ما عداه، هذا الإنشاء الذي طالما حرّض شاعر الحب على التمرد عليه. وإذا كان الربيع موعد غياب قباني، فـ2006 اختطف الشاعر محمد الماغوط رائد قصيدة النثر في سوريا والأب الشرعي لسلالة كاملة من الشعراء العرب. وفوجئ الوسط الثقافي برحيل عبد السلام العجيلي في مدينته الفراتية “الرقة”، هذه المدينة التي صارت عاصمة للحكاية بعدما خلّدها في أعمال تتّكئ على تراث سردي عربي أصيل. وضمت قائمة الراحلين المنشد الحلبي صبري مدلل والتشكيلي غازي الخالدي الذي كان واحداً ممن دخلوا “موسوعة الفن العالمي”. الثقافة الرسمية وصلت إلى طريق مسدودة في ظل هيمنة بيروقراطية صارمة تعيد إنتاج ذاتها. هكذا انتهى “مهرجان دمشق المسرحي” إلى فشل ذريع وصل إلى إعفاء مديره من منصبه. ولم تشهد صالات السينما عروضاً لأي شريط سوري، عدا فيلم “الآباء الصغار” لدريد لحام. هذا على رغم أن المؤسسة العامة للسينما تتحفّظ على فيلمين من إنتاجها لم يعرضا إلى الآن هما “تحت السقف” للمخرج نضال الدبس و“علاقات عامة” للمخرج سمير ذكرى. وحاز ممثله فارس الحلو جائزة “أفضل ممثل” لدوره في الفيلم خلال مهرجان “فالنسيا” السينمائي لدول حوض المتوسط. العزاء الوحيد يمكن إيجاده في المبادرات الأهلية. إضافة إلى انطلاق موقعين ثقافيين على الإنترنت، هما “جدار” و“ألف”، أُطلقت مكتبة إلكترونية تحت عنوان “اقرأ كتاباً، تزداد شباباً”. فيما أقامت مجلة “الوردة”، مهرجاناً للسينما السورية المستقلة، وهو أول مهرجان من نوعه استقطب تجارب شابة لافتة. وقدمت فرقة “كون” للمسرح الموقعي عرضين، الأول بعنوان “حكاية علاء الدين” والثاني “جثة على الرصيف”. واختارت الورشة الشابة أن تنطلق إلى فضاءات الشوارع، ساعيةً الى إطاحة أشكال الفرجة التقليدية واعتماد المحكية في نصوصها لكسر العزلة بين المسرح والجمهور.