لوس أنجلس- محمّد رضا
تركنا آل غور مرشحاً لرئاسة أميركا، لنعود فلنتقيه
على الشاشة، معلناً للعالم أجمع «حقيقة مزعجة». الفيلم التسجيلي الذي حققه ديفيز غوغينهايم وبلغت إيراداته 26 مليون دولار، يضعنا أمام مسؤولياتنا كمواطنين لهذا الكوكب المدعو «الأرض»


بطل “حقيقة مزعجة” ليس أحد نجوم هوليوود المعروفين بموقفهم النقدي من الادارة الأميركية الراهنة. “النجم” الذي يقوم حالياً بجولة أوروبية لتقديم فيلمه «الأوّل»، شاهدناه في دور آخر. إنّه آل غور، نائب كلينتون في البيت الأبيض، ثم المرشّح الى منصب رئاسة الولايات المتحدة في وجه جورج دبليو بوش.
لو أن آل غور وصل الى سدة الرئاسة عام 2000، لكان العالم اليوم أفضل حالاً! هذا ما يخلص إليه المرء بعد مشاهدته “حقيقة مزعجة” Inconvenient truth للمخرج ديفيز غوغينهايم.
ينتقل آل غور في هذا الفيلم التسجيلي من رحى المعركة الانتخابية التي خسرها (لرئاسة الجمهورية الأميركية) الى رحى معركة أشمل، تخص سكان الكوكب، ومن مصلحتنا جميعاً ألا نخسرها... يحذّر الفيلم من المخاطر التي تتهدد كوكبنا. “حقيقة مزعجة” الذي شهد عرضه العالمي الأول في “كان”، يجول حالياً في مختلف عواصم العالم ليعبّر عن رغبة آل غور في رفع نسبة الوعي لدى المشاهدين ليس به وبمساعيه الانتخابية السابقة ــ ولو أن ذلك يزور الخاطر تلقائياً ــ بل بما تتعرّض له الأرض من مخاطر بيئية لن نستطيع مواجهتها مستقبلاً.
في “حقيقة مزعجة” ينصرف آل غور، واقفاً بهدوء أمام كاميرا صبورة، الى تفسير حقيقة مقلقة: كيف غيّر الاحتباس الحراري العالمي معالم الكون. الا أنّ الفيلم ليس خطاباً سياسياً أو إرشادياً، بل ينحو، كفيلم تسجيلي، الى الاعتماد على تعليق آل غور الذي يبدو بدوره أبعد ما يكون عن حضور ضيف استأجر صانعو الفيلم خدماته. طالما كان الرجل غيوراً على المسائل البيئية، حتى إنّ بعضهم يقول إنّ هذا الالتزام كان وراء سقوطه في الانتخابات. إذ خال المواطن الأميركي أنه سيكون رئيساً رومانسياً يمضي وقته في رصد المتغيّرات البيئية بدلاً من العمل على خفض الضرائب و... التصدي لـ“أعداء أميركا”!!
ما نراه على الشاشة ليس آل غور وحده، بل إحصاءات ورسوم إيضاحية تؤكد الرسالة التي يتصدّى لها الفيلم. ويعتمد على قدر كبير من الصور الأرشيفية التاريخية التي تظهر الأرض قبل ربع قرن وصور تسجيلية توثيقية لما آلت إليه اليوم.
يكشف الفيلم كيف أن سكان الكوكب، أو بالأصحّ أصحاب النفوذ والقرار الاستراتيجي، أضروا به، خلال ربع قرن فقط، كما لم يتضرّر بفعل العوامل الجيولوجية منذ عصر الجليد. وما يزيد من حدّة الخوف هو أن ما ينتظر الأرض في المستقبل أشد فتكاً. ولا عجب في أن الدعاية التي صاحبت إطلاق “حقيقة مزعجة” في الولايات المتحدة قدمته بصفته “الفيلم الأكثر إثارة للخوف”.
والهدف من هذا الفيلم الذي يعيد السينما التسجيلية الى أحد أهدافها وأدوارها التأسيسية، هو وضعنا أمام مسؤولياتنا كمواطني هذا الكوكب المدعو “الأرض”، إنها مسؤولية كبيرة، حكاية حياة أو موت: ماذا نستطيع أن نفعل لكي نساهم في تغيير مصير أسود بات على الأبواب؟ هل يكفي أن نضع الزبالة في برميلها الخاص؟ أو نزرع المزيد من الأشجار ونتوقّف عن استخدام كل هذا العدد من السيارات؟
تخرج من “حقيقة مزعجة” وأنت تريد الإسهام في إنقاذ العالم فعلاً.... كان الناقد الراحل ألكسندر ووكر يقول كلما أعجبه فيلم: “كل رجل وكل امرأة وكل طفل في هذا البلد عليه أن يُشاهد هذا الفيلم ولو تحت تهديد مسدس”... والأمر ينطبق على هذا الفيلم حقاً.
لكن من أين تأتي بالجمهور لمشاهدة فيلم تسجيلي؟ إن الفيلم الذي كلّف أقل من ثلاثة ملايين دولار، بلغت إيراداته حتى اليوم 26 مليون دولار معظمها من الولايات المتحدة. لكن العالم ليس أميركا فقط. بل هو لبنان وأندونيسيا وفنلندا والأرجنتين. هو كل مجتمع يستهلك. المشكلة أن تغيير العالم بدءاً من هذا الفيلم أو أي وسيلة أخرى يحتاج حسب الفيلم الى الادراك أن المسألة هي أخلاقية قبل كل شيء.
ليس هناك جديد في الفيلم لم تطرحه المجلات العلمية المتخصصة. لكن المميّز تأكيده أننا دخلنا عصراً وصفه ونستون تشرشل بأنه عصر التداعيات. طبعاً، كان الزعيم التاريخي يصف آنذاك الأزمات السياسية التي بدأت تظهر في الأفق الأوروبي والتي أدّت بعد سنين قليلة الى إشعال فتيل الحرب العالمية الثانية. لكن مفهوم “عصر التداعيات” يناسب تماماً ما نعيشه على مستوى الاحتباس الحراري: حلقات مترابطة، كل واحدة تؤدي الى التالية... حتى نهاية السلسلة ووقوع الكارثة.
ككل فيلم تسجيلي، يتطلّب “حقيقة مزعجة” الإيمان بأن مشاهدته ضرورة. وهذا صعب عندما يكون على المرء كسر الطوق الذي فرضته الأفلام التجارية على العادات والأذواق، وهي انتاجات تقف وراءها الصناعات الكبرى. فهل تساهم شخصية آل غور في كسر الطوق والترويج لشريط يدافع عن فكرة نبيلة؟ الفيلم بحد نفسه مسلٍّ، ولو أن آل غور يبالغ أحياناً في اللجوء الى النكات للتخفيف من جدية الموضوع. وبعضها يعكس شخصية رجل يعتقد بأنّ البيئة كانت في حال أفضل لو وصل فعلاً الى البيت الأبيض.
يفكّر المرء، وهو خارج من هذا الفيلم الذي يملك كل مقومات النجاح في إيصال قضيّته، أن حلّ مشاكله الصغيرة، يمر في حل تلك المشكلة الكبرى التي تستوجب “ثورة كونية”، شرط أن تقتنع بأنك شريك في المسؤولية. “ثورة كونية” يدعو إليها سياسي شغل منصب الرجل الثاني في أميركا على امتداد ثماني سنوات، وكاد يشغل المنصب الأوّل. هؤلاء الأميركان أمرهم غريب في نهاية الأمر!