يسيل الكحل الأسود الفاحم من مقلتي المرأة الوحيدة، كي ترتد دموعها إلى عينيها، فكل ما يحيط بها اليوم يدعو إلى البكاء، كأنها تختزل حياتها بما قاله عمرو بن معد يكرب «ذَهَبَ الذينَ أُحِبُّهُمْ... وبَقِيتُ مَثْلَ السَّيْفِ فَرْدا». لكن روجينا رحمون في مونودراما «كحل عربي» كتابة وإخراج سوزان علي، كانت بسيف مثلّم بالذكريات الموجعة، مطعونة بالفقدان، فهي لفرط وحدتها، ستستنجد بأثاث غرفتها لاستدعاء سيرة امرأة مخذولة بتراكم فواتير الخسارات، وحكايات الحب المحبطة والنذالات الذكورية المتوارثة. تخاطب مرآتها، وشاشة التلفزيون، وخزانة ثيابها، ومخدّة سريرها، تحاول استنشاق رائحة من غاب، لكن مساعيها تفشل في إعادة التوازن إلى ذاتها المحطَّمة. ذكريات متشظيّة لا تكتمل على الإطلاق لفرط ازدحامها، عدا خيوط الماء التي تتسرّب من سقف جارتها. ترسم ما تبقى من وجوه، وبمقصٍّ مفتوح تفتت الورق، قبل أن تقصّ فستانها الأسود، وتحوّل ملاءة السرير إلى كفن. لن ينقذها فستانها الأحمر في ترميم أشلاء قصة حب قديمة مطعونة هي الأخرى بالخيانة. هكذا اعتمدت سوزان علي إخراجياً على تناوب الألوان في تقليب صفحات دفتر الذكريات، من دون أن تلتمس أي أفق في اللحظة الراهنة المشبعة بالانكسارات المتتالية، ورائحة الأجساد المتفحّمة مثل كحل عربي، إلا أن هذه الإشارات بقيت منقوصة سردياً، وبدا أن حلقة مفقودة في الانتقال من فضاء إلى آخر، لجهة البناء الدرامي الذي كان ينقصه الإحكام في تأثيث الخشبة. كما أن شروط العرض في غرفة بكراسٍ محدودة، غيّبت الزخم السينوغرافي تماماً، ليتفوّق الحكي على ما عداه.
روجينا رحمون في مونودراما «كحل عربي» تستدعي حكايات الحب المحبطة والنذالات الذكورية


* «كحل عربي» كتابة وإخراج سوزان علي، اليوم وغداً، السابعة والنصف مساءً، «غاليري مصطفى علي»، دمشق ــ للاستعلام:00963944502020