وعلى مقلبٍ آخر، تتخذ الحجارة بحركةٍ ما هيئة الوحش، أو كائناً هجيناً. ما هو مختلف في أعمال نزيه أبو عفش الأخيرة اعتناؤه بالحشود: كتل بوجوه مغيّبة، تتزاحم خوفاً ورعباً، طلباً للنجاة. يختلط الموتى بالأحياء في قيامة وشيكة، ومآتم مفتوحة على الفقدان، فدراما الفقد تتصاعد تدريجاً لترسم مصائر شخوصه في ما يشبه صورة تذكارية أخيرة تعكس مرايا الداخل في انكسارات واحتدامات التيه البشري لجهة السخط والهلع والاستغاثة، أو كما يقول الشاعر عادل محمود: «تتكون لوحته من سلالات حزينة مليئة بالنور الداكن والحب والسلام، وتؤسس المشهدية المتكررة لأيقوناته في اللوحات، فكرة البصيرة في لوحة البصر: أحياناً تكون أجمل المشاعل تلك التي نُشعلها، لا لكي نرى النور، بل لكي نرى الظل.
البعد الأيقوني يسكن معظم أعماله
تتوضّح جماليات البؤس واليتم، على نحوٍ أمتن، في رهافة الأبيض والأسود (50 عملاً)، في تلك النتوءات والاستدارات المباغتة، لابتكار لحظة حنان بذراعين يحيطان كائناً مفزوعاً، لإشاعة طمأنينة مؤقتة، تبعد حافة الهلاك قليلاً. صخب وصمت وخشوع، ثلاث حركات إيقاعية تتوزّع أعمال نزيه أبوعفش لتنتهي باحتجاج صريح على ما أصابنا من خراب وطعنات وبغضاء في الأرواح، بتعبيرية شعرية، وخامات مختلفة، تبدو كما لو أنها الخط البصري الموازي ليومياته المكتوبة.
* معرض نزيه أبو عفش: حتى 14 تموز (يوليو) المقبل ــــ «المركز الوطني للفنون البصرية»، دمشق ــ للاستعلام: 00963112119798