نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أمس في تخطّي حملة الانتقادات التي وُجّهت إليه خلال مناقشة الكنيست لتقرير فينوغراد، وخرج بتجديد ثقة، وإن بفارق ضئيل، في خطوة عدّها معلّقون «إسدالاً للستار على الفصل السياسي» لتداعيات الهزيمة الإسرائيلية العسكرية في لبنان.ولم تحمل مناقشة الكنيست لتقرير فينوغراد أي جديد لجهة انعكاسها على الوضع السياسي لأولمرت، الذي ألقى كلمة «احتوائية»، أعلن فيها تحمّله «المسؤولية العليا» عن إخفاقات عدوان تموز، مشدداً على بقائه في منصبه من أجل «إصلاح الأخطاء واستخلاص العبر وإحداث التغييرات اللازمة».
وبرغم الصخب الذي رافق الجلسة، التي فرضت عقدها عريضة حملت توقيع خمسين نائباً من المعارضة اليمينية واليسارية، إلا أن التصويت في ختامها صبّ لمصلحة الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة، بنسبة 59 صوتاً مؤيّداً في مقابل 53 معارضاً.
واستغل أولمرت إطلالته الخطابية الأولى في أعقاب تقرير فينوغراد، ليقدم مرافعة دفاعية عن نفسه في الجوانب التي حمّله فيها التقرير المسؤولية، وخصوصاً لجهة آلية اتخاذ القرارات والمفاضلة بين الخيارات. وشّدد على تظهير حال الإجماع والتأييد التي مُنحت له من جانب أطياف القوس السياسي في إسرائيل في تلك الفترة. وأقرّ بقساوة الاستنتاجات التي خلُص إليها التحقيق، معلناً تحمّله مسؤولية الفشل الذي تكشّف في الحرب.
وافتتح أولمرت كلمته بالإشارة إلى عدم وجود أي معلومات جديدة عن الجنديين الأسيرين لدى حزب الله، ثم انتقل إلى تبرير قرار شن الحرب في 12 تموز 2006، مشيراً إلى أنه كان قراراً «صائباً». ولفت إلى أن الأهداف «الدقيقة والمضبوطة» التي حُددت للحرب كانت إعادة الجنديين الأسيرين وإبعاد حزب الله عن الحدود وتنفيذ القرار 1559، مضيفاً «لقد حققنا قسماً كبيراً منها».
وأشار أولمرت إلى أن رئيس الأركان السابق، دان حالوتس، أوضح في بداية الحرب لوزيرة الخارجية تسيبي ليفني، رداً على سؤالها بشأن الانتصار على حزب الله، أنه «لن تكون هناك ضربة قاضية، لن يكون هناك وضع استسلام، والهدف هو توجيه ضربات لحزب الله وبقوة، والدفع باتجاه تدخل جهات سياسية دولية تفرض اتفاقاً يلزم نشر الجيش اللبناني في جنوب لبنان»، مشيراً إلى أن القرار 1701 كان بمثابة إنجاز لإسرائيل.
واضطر أولمرت، في أكثر من مناسبة، للتوقف عن الكلام، عندما قاطعه نواب وأقارب جنود قتلوا في المعارك، حضروا الجلسة. وأمرت رئيسة البرلمان، داليا يتسيك، بطرد العائلات ونائب من حزب «الليكود» المعارض.
وقال أولمرت إن «لجنة فينوغراد قالت ما لديها، وما قالته شديد القسوة. وأنا أتحمّل كامل المسؤولية عن كل الإخفاقات التي لم أحاول أبداً التملّص منها»، مضيفاً: «سأستخدم تلك المسؤولية لتصحيح الأخطاء. هذا ما فعلت اعتباراً من اليوم التالي للحرب». وأشار إلى أن «الجيش باشر إصلاحاً دراماتيكياً، وأصبح في شباط 2008 جيشاً جديداً أكثر استعداداً».
ورفض أولمرت مطالب المعارضة بالاستقالة، ووجّه كلامه إلى رئيس حزب «الليكود»، بنيامين نتنياهو، قائلاً: «لقد كنت شريكاً ومطّلعاً يومياً على القرارات التي كانت تُتخذ، وكنت داعماً لها. كما أخبرتني بأنك تؤيد العملية العسكرية البرية (في نهاية الحرب)، فلا تدعم الأصوات المنفلتة، وتوقفوا عن التجريح الذي يفتقر إلى أي أساس».
في المقابل، انتقد نتنياهو أولمرت، مشيراً إلى أن الحرب على لبنان كانت «فشلاً»، وأن «المسؤولية يتحملها كاملة رئيس الوزراء. وإذا كان للمسؤولية معنى، فيجب عليه أن يستقيل».
بدورها، شنّت عضو الكنيست، زهافا غالؤون (ميرتس)، هجوماً عنيفاً على أولمرت، اتهمته فيه بالمقامرة على حياة الجنود الإسرائيليين من أجل «تسجيل انتصار إعلامي». وخاطبته قائلة: «لقد انتصرت في حرب الصراع من أجل بقائك، لكنّ دولة إسرائيل خسرت»، مضيفة أن «الدولة ليست برنامجاً لصراع البقاء، لذا فعليك الاستقالة من منصبك. سيدي رئيس الحكومة، دماء الأولاد تصرخ من التراب، عليك أن تكون موصوماً بوصمة عار شعبية».
من جهته، رأى رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، أن «الثمن الباهظ للحرب لا يكمن في عدد القتلى الذين سقطوا فيها»، مذكّراً بأن إسرائيل خاضت حروباً «ودفعت ثمناً في السابق». وأوضح أن «القضية تكمن في أن الحكومة الحالية، مثل حكومات سابقة، لا تستخلص العبر».
وهاجم عضو الكنيست «العمالي»، إيتان كابل، أولمرت قائلاً: «طوال فترة الحرب تنقلتُ من استوديو إلى آخر من أجل منح المساندة لقرار الخروج إلى الحرب. (لكن) عندما توقفت المدرعات عن الضجيج، وفهمنا ما حصل، اعتقدت، أنا الصغير الذي جلست في جلسة الحكومة، بأن عليَّ تحمل المسؤولية عما حصل». وتابع: «كان التقرير صعباً للغاية. كان عليك أن تستقيل بعد التقرير المرحلي» لفينوغراد.
وفيما كان النقاش دائراً داخل جدران الكنيست، تظاهرت مجموعة من جنود الاحتياط وأهالي الجنود القتلى في عدوان تموز خارج المبنى، ووزعوا ملصقات كُتب عليها: «أولمرت، إنك تثير قرفي».
وفي السياق، أعلن وزير الدفاع، إيهود باراك، خلال اجتماع لكتلة حزب «العمل» أمس، أنه سيبحث موضوع الاستقالة من الحكومة مجدداً في الوقت المناسب، مشيراً إلى أنه يعتقد بأنه وحزبه سيعرفان كيف يضعان مجدداً على طاولة المداولات المواضيع التي تُرجأ الآن، إضافة الى تحديد موعد للانتخابات.
(الأخبار)