زياد الرحباني
وهل كانَ من الممكن أن يكون إغتيال الرئيس رفيق الحريري صائباً؟ كلا على الإطلاق. إنَّه أكبر حماقة بعد الألفية، كائناً من كان القاتل، لذا فهذا هو الخطأ الرئيسي. و“الإعادة” للتصحيح يجب أن تبدأ به، أي أنَّ شهر شباط سَيَحلُّ هذه المرّة ويَمُر دون الإغتيال. هذا صعب لكنه الأفضل، فالإغتيال كان خطأً مُريعاً أدّى إلى تَسَلسُلٍ مُبَرمَجٍ مُستوحىً من مجرى الأمور والوقائع حينها في بلادنا. وقد اتى مناسباً لمخططيه، ليسَ للبنان.
الإغتيال-إتهام سوريا بالإغتيال-إستقالة حكومة كرامي-وصول بعثة فيتزجرالد لِتَقَصّي الحقائق والتي لم نلاحظ وقتها أنّها لا تعمل إذا كان المطلوب حقيقة واحدة فقط. فيتزجرالد باحثٌ شغوف عن حقائق الكون كلها دون استثناء، سبحان الخالق الذي وحده، سبحانه، خَلَقه ليحيط بها. بدليل أنَّ فيتزجرالد هذا، غادر وتركنا نبحث عن حقيقة واحدة بالكاد نعرف أين تبدأ، أمّا الحقائق المتبقية فأخذها معه وسلَّمَها للرفيق “زورو”، ديتليف ميليس سابقاً. ثم بدأ الإنسحاب السوري وقد تَمَّ بأسرع ممّا حَدَّدَهُ المجتمع الدولي المتحد فجأةً. وهنا أيضاً، خطآن، الأول: إتحاد هذا المجتمع السَلِس المريب والجديد. الثاني: الخروج السوري المُسَرَّع عدا نوعيته التي أُجمِعَ على أنها مُهينة. لذا وَجَبَ عند “الإعادة”، تصحيحٌ الأحقاد، أو موازنتها على الأقل، فالحقد بين الجيران دوماً خاطئ. لأنّه لو نامَ فإنَّه بالفعلِ يَبيت.
الجنرال عون يعود في 7 آيار ، ويتَنَبَّه وهو يفرغ حقائبه إلى القافية بين آذار وأيار، يلي وصوله تشكيل حكومة الميقاتي المؤقتة التي رَست عليها مناقصة تنفيذ الانتخابات. فالميقاتيُّ، رجل الأعمال الناجحة والصامتة. إنتخابات إستعجلها-وهذا للتاريخ-الأميركيون والفرنسيون أكثر مِنّا، ودافعوا من حيث لا يشاؤون عن قانون غازي كنعان حتى الموت! فَكِّر وأربح. لماذا؟ هنا أيضاً خطأ جسيم ومريب ويجب تداركه في الإنتخابات القادمة قريباً. “زورو” وعصابته يَطأون أرض المطار وينتشرون، يُطوّقون رجال الأمن العام والجمارك ويُفَتِّشون حقائبهم بأنفسهم، فهم المُدَرَّبون على الحقيقة. خاصةً أنَّ فيتزجرالد حَصَرَها وراحَ المدعو ميليس يوقف العابرين بالجملة وكلّما خَفَّت حركة المرور نتيجة كثرة التوقيفات، يقصدهم هو، بل يَدهَمهم في مَحالِ إقامتهم ويعتقلهم. ذروةٌ في الحِرَفية والحزم. وقد عانى في فترة معينة من نقصٍ في الشهود اللبنانيين لكثرة ما إعتقل منهم. لكنه ثابرَ حتى توفَّقَ، ورغم الإنسحاب السوري الشامل وترحيل آلاف العمّال ونزوحهم، إلى توقيف شهود سوريين. فأخذوا عنه كمّاً لا بأس به من الأخطاء والتناقضات، فَتاهَ “زورو”، واعترف مرّة ومرتين بالخطأ وأصَرَّ أن يؤكد لنا النظرية القائلة: الوحيد الذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل. فطلبنا إليه عبر حكومتنا وبشكل سرّي ولائق أن يخترع حجّة، فَصَرَّحَ يوماً بأنَّه مرتبطٌ بعملٍ “رهيب” في ألمانيا، وهكذا استطعنا إيقافه عن العمل والخطأ. وعلى فكرة فقد أصبح في آخر أيامنا، يخطئ دون أن يعمل حتى. وكان قد إنتهى في حينه عُمر حكومة الميقاتي، وطَلَعَ البدر علينا...
إستقال الميقاتي وكانت ليلة القدر، تَضَرَّعَ المؤمنون امّا المحسنون منهم فناموا باكراً لشدَّة إحسانهم في البحر. وكان صوت عاصي الحلاني يَشدو من الماضي: “بيروت عم تبكي...”، فيجيبه أحمد قعبور من المستقبل: “قولوا، قولوا الله...”. واستجابَ ليلتها العلّي القدير لصلوات عبّاده الطيّبة العَطرة.

يتبع يوم الإثنين