نُفِّذَت محطة التكرير في أنفة عام 2005، في إطار اتفاقية البروتوكول الفرنسي اللبناني لمعالجة المياه المبتذلة والمصبّات البحرية، وتضمن المشروع شبكات الصرف الصحي ومحطات الضخ/ الرفع لبلدات وقرى منطقة شكا بقيمة نحو 19 مليون دولار، ممولة من الوكالة الفرنسية للتنمية والدولة اللبنانية، لتخدم 15 ألف نسمة بقدرة معالجة تساوي 1950 متراً مكعباً في اليوم... إلا أن هذه المحطة منذ ذلك التاريخ لا تعمل، والتلوث يزداد ويتفاقم!
تكمن المشكلة الأساسية في أن المحطة أنجزت قبل تمديد الشبكات وإنشاء محطات التجميع والضخ، وهي المشكلة ذاتها في كافة المناطق اللبنانية تقريباً. سنوات مضت بانتظار استكمال المنظومة، والدولة تدفع أجور حراسة وعقود صيانة وتشغيل للمحطة، التي لم تبدأ عملها، لشركة Degrémont الفرنسية، التي أصبحت تعمل تحت العلامة التجارية Suez، وهي بالمناسبة، نفس الشركة المشغِّلة لمحطة تكرير الصرف الصحي في طرابلس التي بدأت تعمل أخيراً بعُشْر طاقتها بعد سنوات طويلة من التوقف!

ستباشر عملها بعد أسبوع!

أحد أسباب تأخر إنجاز منظومة الصرف الصحي في أنفة، اعتراض الأهالي على اختيار موقع محطة التجميع والضخ على مقربة من المنطقة السكنية، وفي موقع مصنف سياحياً، يحوي مياهاً جوفية عذبة يستفيد منها أهالي أنفة وجوارها. وقد أصرّ حينها مجلس الإنماء والإعمار على الموقع، بحجة أن الموقع البديل المقترح في المنطقة الصناعية كلفته أعلى، دون النظر إلى الكلفة الصحية الباهظة التي كان من الممكن أن يدفعها الأهالي، قبل أن يعيد النظر بالأمر.

الأنبوب البحري 300 متر
بدل 1500 متر

رئيس بلدية أنفة جان نعمة، يوضح لـ «الأخبار» «أن الأمور تتجه إلى الحل، فقد بدأ العمل بإنشاء محطة الضخ أخيراً، بعد إتمام إجراءات الاستملاك والأمور المالية إثر تمكن نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري من الحصول على موافقة مجلس الوزراء لاعتماد الموقع البديل. أما مجارير الصرف الصحي المنزلية في أنفة، فما زالت تصبّ في البحر منذ الحرب الأهلية إلى الآن، ومن المتوقع استمرارها لحين انتهاء تنفيذ الشبكة ووصلها بالمحطة».

تغيير الموقع

مصدر في مجلس الإنماء والإعمار يُحمّل مسؤولية تأخير إنجاز محطة الضخ للأهالي، قائلاً: «كان من الممكن إنجازها منذ أربع سنوات لولا الاعتراضات، وقد فعلنا ما أرادوا تحت الضغوطات السياسية، على غير قناعة هندسية، لأن الأصل في اختيار الموقع أن يكون أخفض نقطة متاحة في المنطقة، لذا اضطررنا إلى إنشائها في الموقع البديل، رغم ما تكبدنا من تكاليف إضافية نتيجة لفرق سعر الأرض والحفر 12 متراً تحت مستوى الأرض لإنشائها. ومن المقدّر إنجازها بعد ثمانية أشهر. لكن مياه الصرف الصحي الواصلة من القرى والبلدات المجاورة والمتدفقة على الشاطئ لن تستمر طويلاً، إذ إن الشركة الملتزمة Degrémont قامت بأعمال الصيانة أخيراً لمحطة التكرير بعد استيرادها قطع الغيار اللازمة من فرنسا، وستبدأ العمل بعد أسبوع. وتبقى مشكلة الصرف الصحي المنزلي الناتج من بلدة أنفة مستمرة بالتدفق إلى أن تنجز محطة الضخ والشبكات بالكامل».

الأنبوب غير مطابق!

إذاً، سيستمر تلوث بحر أنفة وينابيع المياه العذبة على شاطئها بالمجارير ثمانية أشهر على أقل تقدير، إن لم نحسبها بالمواعيد اللبنانية، أو كما يقول الأهالي «مواعيد مجلس الإنماء والإعمار ما بينبنى عليها أخبار». ولكن هل سينتهي التلوث للأبد؟
يبدو ذلك غير دقيقاً، إذ يذكر مصدر مُطّلِع أن خط الأنبوب البحري (Émissaire) الواصل من محطة التكرير إلى البحر لم يُنفذ بالطول المناسب في البحر، وكان يفترض به أن يكون على مسافة 1500 متر على الأقل، ما يُبقي مياه الصرف الصحي لأنفة والقرى المجاورة قريبة من الشاطئ دون تكرير في حال حصول عطل فني بالمحطة، ما يُعدّ مخالفاً للشروط البيئية والتقنية، متسائلاً: «هل يعلم مجلس الإنماء والإعمار بهذه المخالفة التي قامت بها الشركة المُنفِّذة، وهل توُافق وزارة البيئة على ذلك؟».
لم ينكر المصدر في مجلس الإنماء والإعمار عدم مطابقة الأنبوب للمواصفات، مؤكداً «أن طوله الحالي 300 متر، وهو ما سُلِّمَ لمجلس الإنماء والإعمار، حينذاك، ولم يطرأ عليه أي تعديل، علماً أن المواصفات القياسية للمحافظة على مستوى الأثر البيئي يجب أن تكون 700 متر»، مقللاً في الوقت نفسه من أهمية هذه المخالفة، «إذ إن الأنبوب لا يُستخدم إلا في حالات الطوارئ، كتعطل المحطة، أو انقطاع الكهرباء، أو نقص المازوت، وقد اتخذنا الاحتياطات اللازمة بتركيب مولد كهربائي، وهذا لا يمنع أن الأعطال تحدث».