ليست مبالغة القول إن تعليقات البعض، ضد الفلسطينيين، على خلفية تفجيري برج البراجنة أمس، تكاد تصبّ في خانة التطبيع. إذ لم تكد تمرّ ساعة على التفجيرين، حتى بدأت تضج وسائل التواصل الاجتماعي، بالاتهامات الموجهة إلى أهل «مخيم برج البراجنة»، بأنهم يقفون وراء العملية، أو أنهم سمحوا للانتحاريين بالمرور من المخيم. لم تثبت بعد صحة هذه الرواية، وتوجد روايات أخرى مغايرة عن طريقة وصول الانتحاريين إلى المنطقة. لذا، فإنه مهما كانت الحقيقة، يعيش هؤلاء العنصريين تناقضات غريبة، بين القضية الفلسطينية، التي تعدّ محور عقيدة المقاومة التي يحبون، وبين كرههم الأعمى للشعب الفلسطيني. «يهيّصون» لأمين عام حزب الله عندما يتكلم عن تمسك المقاومة بالقضية الفلسطينية، وبالشعب الفلسطيني، ثم يعقّبون في سرّهم على كلام السيّد حسن نصر الله، بتبريرات لعنصريتهم، من بينها «هم يسمحون للإرهابيين بالبقاء في مخيماتهم»، و«أصلاً كل الفلسطينية بيكرهوا الشيعة»، و«من أول ما إجو خربو البلد».أذكر مرةً، ما قاله لي أحد الشبان «أنا أحب الفلسطينيين، وأدعم القضية الفلسطينية. نحن ندعمهم بالمال والسلاح، ونستضيفهم في بلدنا ليعيشوا فيه، لكنهم يردّون الجميل بدعم الإرهاب والسماح للمسلحين والمتطرّفين بتحويل مخيماتهم إلى مواقع عسكرية للإسلاميين. أقول فليخرجوا من بلدي، لأنهم خانوا العهد». ولم ينس بعد أن أنهى النقاش، الإشادة بإنجازات حزب الله في سوريا.
ما يثير الاهتمام في سرديّة أخينا، أنه يحمل «وطنيته»، قاطعاً بها حدود غيره، دون أدنى شعور بالتناقض. فهو يفاخر بأن الجهة التي يناصرها (إيران) موّلت ودعمت المقاومة الفلسطينية، ثم يعود ليثبت «لبنانيته» بالإصرار على أنه استضاف في بلده، اللاجئين الفلسطينيين، وأن عليهم أن يخرجوا منها... إلى أين؟ لا يهم... خارج الحدود. هو إذاً لبناني «وطني»، لكنه يوافق على أن يذهب حزب الله للقتال في سوريا حين يريد، وفي الوقت نفسه يهدّد الفلسطيني بالحدود المرسومة من المستعمر. وفق هذا المنطق، تستحيل الحدود والأوطان، أداة مجردة ندعم بها عنصريتنا وشوفينيتنا تارةً، ونرفضها كجزء من المشروع «الصهيو-أميركي» تارةً أخرى، بما يتناسب طبعاً مع مصالحنا.
لست أدري إن كان يعلم أمثال هذا الشاب (الصادق في كرهه للعدو)، أن لبنان عمره من عمر كيان العدو. وأن الاستعمار الذي أنشأ هذا البلد العبثي، لبنان، هو ذاته الذي أنشأ «إسرائيل». وأن بقاء «إسرائيل»، مرتبط عضوياً ببقاء لبنان كدولة مستقلة عن جوارها. وأن السرديّة العنصريّة تجاه الفلسطينيين (والسوريين)، هي بجوهرها سرديّة كولونياليّة خياليّة لا تخدم إلا العدو الصهيوني، والمشروع الإمبريالي القائم والمستفحل في بلادنا.
ولكن لا معنى لسرد التاريخ والوقائع وتحديد المناهج التحليلية في مواجهة الأيديولوجية، فالأخيرة تعيد صياغة الأحداث، وترتب (ترفض وتقبل وتحرّف) الوقائع كيفما شاءت، وتبدأ التحليل من بديهيات خرافية مستمدة من تحريفها للماضي ورؤيتها المشوهة للحاضر. وفي النهاية تنتج ظواهر سورياليّة، مضحكة، كالشاب الذي كتب على الفايسبوك «احرقوا رب المخيمات»، فيما تظهر صورة حسابه الطفل الأسير الفلسطيني أحمد مناصرة. هو، وأمثاله، ينطبق عليهم، قول مغني الراب مازن السيد (الراس): «بيكره كلمة فلسطيني بس بموت بفلسطين»، كما ذكرت إحدى المغرّدات على موقع «تويتر».