كيف يمكن أن تكون افتتاحية العدد الأخير لهذا العام؟ ستكون الخطوة أسهل لو كانت خاتمةً بدلاً من كونها تقديماً. أن تُكتب بطريقةٍ ارتجاليّة وعفوية، تقول كلمتها وتمشي، كما يتكلم ذلك المتأرجح بين النوم واليقظة: في ضرب اللغة بعرض الحائط، نصّ لا فاصلة فيه، ولا نقطة. لا علامة «تنصيص» ولا علامة ترقيم! يخرج عن قواعد الصرف والنحو. غير مهتم بالفصاحة. مهتم بالفصاحة جداً وبالفذلكة أيضاً. عنيف وهاذر. ملتبس مثل أدوار المنظمات الحقوقية وغامض كالأنفاق.
(تصميم: فرانسوا الدويهي)

دراميّ بسبب مجازر ارتُكبت - وما تزال تُرتكب - وملحميّ كمفعول الياسين 105. راجف كهزة أرضية وجازم كالصوت الخفيض الرزين الهادئ الذي يعلن النصر من الراديو. يعني نصاً يتماهى حد الامّحاء مع أحوال ذلك العام (التي لم تنتهِ بعد أثناء كتابة هذه السطور) وماضيه. عام 2023 الذي بدأ بزلزالٍ ولم ينتهِ بحربٍ سترسم ملامح المستقبل. العام نفسه الذي صدر في بداياته ملحق إنّما، وكانت نهاية وباء كورونا وفقاً لما أعلنته منظمة الصحة العالمية. العام الذي أطلّ علينا فيه كثير من الأبطال، والمهرجين، ودخلت إلى معجمنا كلماتٌ جديدة، وكلمات أدخلناها إلى المعجم من دون أن تكون ترند، لأن ترند بذاته لوثة لا شفاء منها: معليش.
لقد كان عاماً مليئاً بالموت، بالجثث تحت الأنقاض، بألعاب البلاستيك التي طُمست مع الأطفال ومع المدينة تحت الحطام، بجنون الأرض، وجنون المقاومة، وجنون العقل، بالطيران فوق الجدران، بانتصارات ستتحوّل إلى نصرٍ مدوٍّ رغم هول الفاجعة والموت السريع، بالمغامرات الصعبة، بطرق مجهولة، بجديّة أكثر وضجر أقلّ، بافتتاحيات وثيماتٍ ومواضيع وساعات لا تُعد ولا تحصى نقرأ ونشاهد فيها من وراء الشاشات. لقد كان عاماً مليئاً بشخصياتٍ شكّلت انعطافاً فارقاً أو كانت بشكلٍ من الأشكال ظواهر نوعية. وقد يجوز، عزيزي القارئ، أن تكون أيضاً واحداً من شخصيات هذا العام، أقلّه بالنسبة إلى كتّاب هذا الملحق، المهجوسين بمخاطبتك ومحاكاتك فجر كل سبت.
وفقاً لتصنيفٍ تتخلّله الاعتباطية، ولكنّ نصفه الآخر مدروس، ارتأينا ترتيب شخصيات هذا العام. ستتعرف إليهم في هذا العدد رغم أنّك تعرفهم جيداً. هناك من حضر جرّاء ارتفاع أسعار الكيتش في بورصة الفن، وهناك من خرج من السيرك وفسّر العالم بالسحر. هناك من وُلد في السابع من أكتوبر، وهناك من تعرّض لمحاولات قتلٍ عدّة بسبب السابع من أكتوبر، وقد نجا وما زال صوته رزيناً هادئاً خفيضاً. لن نُطيل في كتابة هذه المقدمة ولن نسير على خطى الترند ونعدّ الثواني الأخيرة عكسياً حتى نبدأ عاماً جديداً. سنكتفي بمعايدة الجميع، وبالأخص الفلسطينيين، والمقاومين، وأعداء إسرائيل، فهؤلاء هم شخصيات الأعوام كلّها.