كرّس استفتاء بوليفيا إيفو موراليس رابحاً كبيراً. انتهى زمن التحدّي، وبات عليه محاولة معالجة أزمتين تهدّدان وحدة بلاده: موقع السكان الأصليّين الهنود، ومسألة اللامركزيّة
بول الأشقر
مع تقدُّم عملية الفرز الرسمي الذي تخطّى أمس 75 في المئة من الأصوات، أخذ يتضح مستوى المشاركة الهائلة التي تميزت بها الاستفتاءات التي جرت يوم الأحد الماضي في بوليفيا. نسبة تخطت حاجز الثمانين في المئة من مجموع الجسم الانتخابي، وتراوحت بين 75 و80 في المئة في الولايات المسماة معارِضة، وبين 85 و90 في المئة في المناطق المحسوبة على الموالاة.
وتدلّ عملية الفرز المستمرة على أنّ النتائج التي حققها إيفو موراليس قد تكون أفضل بقليل من تلك التي أُعلنت، وذلك في كل الولايات. وقد تقترب النسبة النهائية للموافقة على استمرار ولايته من 65 في المئة من الناخبين، ما يعني أن هذه النسبة زادت على عشرة في المئة عن تلك التي حصل عليها قبل سنتين ونصف السنة لدى انتخابه.
ويمكن القول إنّ المشكلتين اللتين تمزّقان بوليفيا اليوم، أي موقع السكان الأصليين الهنود في التركيبة السياسية، ومسألة اللامركزية، ستظلان قضيتين مزمنتين في تاريخ بوليفيا. أصلاً هما إشكاليتان وجوديتان تسبقان وصول موراليس إلى السلطة.
أكثر من ذلك، إنّ وصول الزعيم الهندي اليساري إلى السلطة مثّل منعطفاًَ تاريخياً لهذه المعضلة المتأصلة في التركيبة البوليفية حيث الهنود يمثّلون الأكثرية المطلقة من الشعب وأكثرية فقرائه الساحقة. وبالرغم من «تقدمية» الثورة الوطنية في الخمسينيات التي جعلت من بوليفيا «بلد النقابات» بامتياز، فقد أدت التغييرات النيوليبرالية في الثمانينيات إلى بلورة الحاجة لدى الهنود إلى حجز دور حاسم في بناء البلد والدفاع عنه مع استرداد الحق بالمشاركة بمنافعه على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
إنّ وصول اللاعب الهندي إلى المشهد السياسي هو ما جعل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا يقول مرة إنّ الحدث «أفضل مفاجأة حصلت في أميركا الجنوبية خلال العقد الأخير».
أبعد حتى من نتائج انتخابات عام 2005، يمثّل تثبيت الأحد الماضي وقفة هندية تعني أنّ العودة إلى الوضع السابق ليست واردة، وخصوصاً أن الهنود يشعرون للمرة الأولى بأنّ أوضاعهم بدأت تتحسن، وأن همومهم تلقى عناية خاصة من أعلى هرم الدولة ومؤسساتها.
يبقى مصدر شعبية إيفو موراليس أنه كان وفيّاً لوعوده الانتخابية وبقي متقشفاً بعاداته ووجد في نائبه غارسيا لينيرا معاوناً حريصاً على التغيير، ولكن أيضاً على المعادلات السياسية الكفيلة بصيانته. في المقابل، إنّ ضعف مشروع الرئيس ينبع من تعدّد المطالب الآتية من كل حدب وصوب، وهي كفيلة بزعزعة توازن هشّ وسريع الاشتعال في أية لحظة.
وتكاد تكون الأسباب نفسها التي عبّأت أكثرية شعبية حول موراليس، هي التي تحرك المعارضة ضدّه. في الأساس، مشكلة الولايات الشرقية ليست مع الهنود، بل مع النخب الإسبانية الأصل الموجودة في الغرب، التي تنظر إليها بكبرياء طبقية وعرقية.
فقبل خمسين سنة، كان الشرق مهجوراً في بوليفيا لا يقصده إلا المغامرون. ومنذ عشرين سنة، تحولت هذه المنطقة التي ميّزتها هجرة القرن العشرين الحديثة (من أوروبا الشرقية والمشرق العربي والبرازيل) إلى محرك الاقتصاد الزراعي. وزاد عديد سكّان هذه المنطقة إلى أن أصبحت بعد اكتشاف الغاز، أكبر مصدر للناتج القومي.
وترى نخب الولايات الشرقية التي تحمل في بوليفيا اسم «نصف البدر»، أنّ النخب الغربية حرمتها دوراً في السياسة يوازي دورها الاقتصادي. لكن مع وصول إيفو موراليس والتغيير الكبير الذي شرع بتنفيذه، صارت مدينة سانتا كروز (أكبر مدينة إلا في حال اعتبار لاباز وإلألتو مدينة واحدة) معمل أفكار الحكم الذاتي، وعاصمة معارضي إيفو موراليس. لذلك صعدت الزعامات المناطقية المعارضة على حساب الزعامات السياسية المعارضة، ونجحت في استقطاب الطبقات الوسطى في ولاياتها حول شعارات مثل بقاء ثروات الولاية «داخلها» أو الحفاظ على «نمط حياة بات مهدداً».
وعلى عكس المعارضة السياسية التي تريد عبثاً العودة إلى قوانين اللعبة السابقة، ترى المعارضة المناطقية في «إعادة تأسيس» بوليفيا من موراليس فرصة فريدة لإعادة تأسيس أخرى، لكن على قياسها. وهنا مصدر محدودية ما تقترحه الولايات الشرقية على باقي البلاد، وهنا أيضاً خطورته.
في أول مؤتمر صحافي له بعد إعلان النتائج، جدد موراليس رغبته في «البحث عن توافقات مع حكام الولايات، وأيضاً مع القطاعات النقابية»، ورأى أن الحوار «حتميّ»، وعرض «التوفيق» بين تشريعات الحكم الذاتي والدستور الجديد. وفيما طالبت منظمة الدول الأميركية بالإسراع بتحديد موعد الحوار، اشترط حكام الولايات استعادة كامل مواردها في شرط مسبق لاستئنافه.