مصر والسعودية سعتا لعرقلته بعدما دفعتا باتجاهه بحجّة إبعاد دمشق عن طهرانباريس ــ بسّام الطيارة
لا يختلف اثنان على أنه «لا توجد حركة إلا كان وراءها سبب دافع». وينطبق هذا على «دينامية عودة الحرارة إلى العلاقات السورية ـــــ الفرنسية»، كما يقول دبلوماسي سابق عمل في عدد من العواصم العربية. ورغم أن الجواب عما يمكن أن يكون هذا الدافع متعدد الجوانب ويذهب في اتجاهات عديدة، إلا أن لوناً «عربياً مميزاً» يسيطر على تلوينه.
ويشير الدبلوماسي إلى «بعض العواصم العربية» لتبيان مصدر الدافع الأساسي الذي جعل الحرارة تدب بشكل مفاجئ بين سوريا والغرب. ويقول إن «هذا مثّل مفاجأة فقط للأشخاص العاديين ولكن ليس للمتابعين لما يدور وراء كواليس منطقة الشرق الأوسط منذ سنتين، وتحديداً مباشرة عقب انتهاء حرب تموز». إلا أنه يستدرك بأن «هذه العواصم كانت أيضاً وراء ردات فعل فاجأت القيمين على الدبلوماسية الفرنسية».
ويتوافق تحليل الدبلوماسي السابق مع عدد من التحليلات التي بدأت تخرج بعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى باريس، والتي تشير إلى تداخل عوامل إقليمية شرق أوسطية مع رغبة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بـ«الانتهاء من إرث جاك شيراك الذي كبّل الدبلوماسية الفرنسية».
وبحسب أكثر من مصدر، فإن ارتفاع التوتر الملازم لملف النووي الإيراني أخاف أكثر من عاصمة عربية، وتحديداً القاهرة والرياض، من انعكاسات هجوم أميركي أو أميركي ـــــ إسرائيلي على إيران، وخصوصاً أن رسم الخطر المتهدد بإسرائيل كان يتم بشكل مثلث يجمع بين سوريا وإيران وحزب الله. وكانت العاصمتان وراء الضغط على القوى الغربية المؤثرة لـ«إخراج سوريا من معادلة الحلف الإيراني»، وبالتالي إبعادها عن أي ضربة محتملة لإيران بحجة «أن العرب لا يتحملون عراقاً ثانياً». أما في ما يتعلق بحزب الله، فكانت هذه الأصوات تقول إن «فك التحالف السوري ـــــ الإيراني» كفيل بإضعاف الحزب عسكرياً بسبب زوال «حلقة الوصل الجغرافي» بين «الثلاثي المستهدف».
ووجدت هذه «الأفكار» آذاناً صاغية لدى القوى الغربية المؤثرة في المنطقة، وخصوصاً أنها «تذهب في اتجاه تطبيق (غير مباشر) للقرار ١٧٠١»، بحيث يقطع طريق التواصل بين حزب الله وإيران وبالتالي «يجفف الدعم اللوجستي عبر الحدود». ويقول المصدر إن «واشنطن وباريس تفهمتا التحليل المصري ـــــ السعودي». ولكن الدبلوماسية الفرنسية ظلت على جمودها بسبب ممانعة شيراك، إذ إن أي «حلحة للموقف من سوريا كان يجب أن يمر عبر الملف اللبناني». ولكن ما إن وصل ساركوزي إلى الإليزيه حتى دبت حركة الوزير برنار كوشنير لتصل إلى ما بات يعرف بـ «تمرين سان كلو» وهو كما يصفه المراقبون في باريس بأنه «قاعدة انطلاق اتفاق الدوحة».
إلا أن «مفاجأة مزدوجة» انتظرت كوشنير، جاءت على شكل «رفض مبطن» للمبادرة من طرف العواصم العربية التي كانت وراء حجج «تحييد سوريا» و«رفض مؤدب» من حلفاء العاصمتين وواشنطن المحليين في لبنان. ويفسر الدبلوماسي رد الفعل الفرنسي «المواكب للسلبية التي واجهت المبادرة» بأن ساركوزي كان لا يزال في طور «أجواء عدم مصادمة مع جورج بوش»، إلا أن «فشل لقاء أنابوليس» مثّل «مجهراً لضعف الإدارة الأميركية»، وخصوصاً أن الأمر ترافق مع «عودة طبول الحرب لتدق في الخليج» على صدى طروحات بشأن الملف النووي الإيراني، ما دفع الدبلوماسية الأوروبية للعودة إلى فتح ملف «فك سوريا عن إيران» وبدء الرحلات المكوكية لمسؤولين أوروبيين إلى عاصمة الأمويين، مترافقاً، من وراء الكواليس، مع فتح جميع ملفات التعاون تحت إشراف «كلود غيان في ما يتعلق بالطرف الفرنسي»، ونفض الغبار عن اتفاقية الشراكة الأوروبية ـــــ السورية، وهو ما قاد بعد اتفاق الدوحة إلى قمّة باريس.
ولكن المصدر يستطرد أنه «للمرة الثانية، برزت مفاجأة تمنع القاهرة والرياض عن الترحيب بنجاح التمرين»، مشيراً إلى عدم لقاء الرئيس المصري حسني مبارك والأسد على هامش القمة الباريسية.
ويقول المصدر إن «حركة التقارب مع سوريا» شهدت محاولات عرقلة وصفها بأنها «عنيفة»، مشيراً في هذا الخصوص إلى قصف إسرائيل لشمال سوريا وبدء الحديث عن «نشاط نووي سوري» والمناورات التي رافقت القمة العربية في دمشق والمناورات السياسية التي أدت ورافقت «حركة ٧ أيار» في بيروت.
ويفسر هذا التصريحات الأخيرة لكوشنير الذي ردد فيها أن السعودية والولايات المتحدة لم تؤيدا انفتاح فرنسا على سوريا واستقبالها للأسد، بقوله «لا أعتقد أن الولايات المتحدة معنا على الخط نفسه». كما وصف تعامل الأميركيين مع المعطيات التي خلقها انفتاح فرنسا على سوريا ودمجها في إطار تعاون أوروبي متوسطي بـ «البراغماتي». وتطرق كوشنير قبل يومين إلى رد فعل الرياض في إشارة إلى الزيارة السرية لوزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل قبل القمة المتوسطية، مشيراً إلى أن باريس «أطلعت الرياض على ما تقوم به». ووصف رد فعلها بالبارد، وقال «لم تكن تحبذ لقاءنا مع الأسد».
بدوره، أشار مصدر فرنسي مطلع إلى أن السياسة السعودية «مغايرة للسياسة الفرنسية». وأضاف إن «باريس تتفهم دوافع ممانعة الرياض وتتوقع أن تتفهم الرياض أهداف سياستنا».