ربى أبو عموقصة الخد الأيمن والأيسر مجرّد خرافة في الإيديولوجية الروسية، وخصوصاً في «حربها الملحمية» مع الولايات المتحدة. فالسنّ بالسنّ هو القاعدة. انزلق اللسان الروسي عن الآداب الكلامية الدبلوماسية حيال إصرار واشنطن على بناء الدرع الصاروخية في شرق أوروبا، بحجة وجود شبح نووي هو إيران، لتمارس لعبة التهديد أولاً، والاقتداء بها ثانياً.
لم تخشَ واشنطن الحرب النفسية هذه، بقدر خوفها الحقيقي حالياً من عزم موسكو على استخدام قواعد جوية كوبية لنشر صواريخ استراتيجية، بحسب صحيفة «أزفستيا» الروسية، وذلك رداً على مشروع الدرع الصاروخية الذي توّجت إحدى مراحله باتفاق مبدئي على استخدام أراضي بولندا.
موجة من ردود الفعل الأميركية كانت أقرب إلى السخط الناتج من قلق عمره عقود. فرئيس أركان سلاح الجو الأميركي، نورتون شوارتز، قال إن «روسيا تجتاز الخط الأحمر بنيّتها هذه».
الرئيس السابق لقسم التعاون الدولي في وزارة الدفاع الروسية الجنرال ليونيد إيفاشوف، قال إن «روسيا قد تستخدم كوبا قاعدة تزويد بالوقود لصواريخها النووية». ورأى أن «كوبا لن تمانع في نشر روسيا منصات مراقبة إلكترونية في قاعدة الرادارات (لورد)، المغلقة منذ عام 2001». وكان هذا الموقع قد استخدام لمنع الهجمات النووية في عهد الاتحاد السوفياتي السابق.
الانتظار الأهم كان للموقف الكوبي الذي بدا مراوغاً. خرج الزعيم فيديل كاسترو قليلاً عن صمت أخيه، قائلاً إن «راوول أحسن صنيعاً بالتزامه صمتاً ملائماً بشأن هذه المعلومات»، مشيراً إلى أنه «لا وجود لتفسيرات أو اعتذارات لتقدمها هافانا إلى واشنطن».
تشير التقارير العسكرية إلى قدرة طائرة «البجعة البيضاء» الروسية على الوصول إلى كوبا. وربما تكون هاتان الطائرتان قد حطّتا في جزيرة الحرية، مركز سجن غوانتانامو، حيث تنتشر الأعين والآذان الأميركية.
وتستطيع قاذفات الصواريخ الروسية الاستراتيجية تمشيط الساحل الأميركي لنحو ساعة ونصف، والتزود بالوقود، ومن ثم العودة إلى روسيا. ولا تغفل الأجهزة العسكرية الأميركية الخبرة الروسية في الطيران على مسافات بعيدة.
هذه المعطيات تعيد إلى الذاكرة أزمة عام 1962، حين وصلت واشنطن وموسكو إلى شفير حرب نووية بعد نشر صواريخ سوفياتية لدى الحليف الكوبي. وفي بداية الثمانينيات، قامت الطائرات الروسية برحلات جوية على مسافات طويلة قرب سواحل الولايات المتحدة لتمشيطها، رداً على نشر واشنطن صواريخ في جنوب بريطانيا، شمال إيطاليا وغرب ألمانيا. إلاّ أن هذه الرحلات الروسية توقفت في عام 1992 بسبب نفاد الوقود، وانسحاب القوات الروسية من جمهورياتها السابقة، ودمار النظام الوطني للطيران البعيد المدى.
وكمحاولة لاستباق توفير الحماية، تسعى الصحافة الأميركية إلى تكريس التفوق العسكري الأميركي الكلّي على روسيا ورقياً على الأقل. ويشير مقال بعنوان «الأسبقية النووية الأميركية»، لمساعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة نوتردام كير ليبير، وداريل بريس من جامعة بنسلفانيا، إلى دمار الترسانة النووية الروسية، نتيجة لاتفاقية الحد من الانتشار النووي التي وقعتها روسيا في عام 1991.
اليوم، تملك روسيا 762 قاذفة قادرة على إطلاق 3373 رأساً حربياً، مقابل 5521 قاذفة لدى الولايات المتحدة قادرة على إطلاق 1050 رأساً نووياً. هذا عدا عن الرؤوس النووية البحرية.
إلاّ أن واقع الأمر يفرض عدم جدوى تعداد حجم الترسانة النووية لكلا البلدين، وخصوصاً أن كلاً منهما قادر على تدمير الآخر مرات عديدة، رغم تفّوق واشنطن في عدد المرات. إلاّ أنه، وكما قال الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي، «لا يهم إذا كانت واشنطن قادرة على تدمير موسكو 20 مرة، فيما روسيا تستطيع فعل الشيء نفسه ثلاث مرات. فمرة واحدة كافية».