بسّام الطيّارةوكشف الإعلام أخيراً عن أنواع عديدة من «أساليب الانخراط في العمل اللاشرعي وأسبابه»:
أوّلاً، يوجد مهاجر غير شرعي، ما إن تطأ قدماه الأراضي الفرنسيّة، يسعى لاهثاً وراء فرصة عمل. وأثبتت جميع الدراسات، أنّ الدافع الاقتصادي هو في طليعة عوامل الهجرة من الجنوب الفقير إلى الشمال الغني. كما يوجد «المهاجر الرسمي» الذي لسبب ما، يرفض تجديد إقامته ويُطلَب منه مغادرة البلاد بعد أن يكون قد كوّن «إطاراً حياتياً في المجتمع الفرنسي» في غالب الأحيان، فلا يبقى أمامه سوى «الدخول في اللاشرعية».
وأيّاً تكن الحالة، فقد فضح الإضراب الأخير، سبل دخول سوق العمل: النوع الأوّل عبر ما يُسمَّى «العمل الأسود»، أي من غير تصريح لدى مؤسّسات الضمان الاجتماعي من قبل ربّ العمل الذي يكون على علم بوضعية العامل غير الشرعية. وفي هذه الحالة، يدفع ربّ العمل لأجيره راتباً يوفّر فيه على نفسه قيمة متوجبات الضمان. وبذلك، يكون رب العمل قد ارتكب جنحة يمكن أن يعاقَب عليها بقسوة بحسب القوانين الأخيرة.
وفي الحالة الثانية، يكون العامل حاملاً لبطاقة إقامة، إمّا مزورة أو تعود لقريب له (وهي طريقة متّبعة عند الجاليات الأفريقية والصينية والفيتنامية نظراً لتشابه الوجوه). وقد حاولت السلطات محاربة هذه الظاهرة عبر إجبار أرباب العمل على التحقُّق من «الأوراق الثبوتية وإجازة العمل للعمّال المهاجرين قبل استخدامهم وتوقيع عقد معهم».
أمّا في الحالة الثالثة، فهي في حال حمل العامل أوراق هوية فرنسية مزوّرة، وهي ما شاعت بشكل متزايد في الفترة الأخيرة بعد الكشف عن تنظيمات عديدة تعمل على «الكسب بالاستفادة من تعاسة المهاجرين»، عن طريق تزوير تذاكر هوية قديمة غير رقمية. وفي معظم هذه الأحيان، يتغاضى ربّ العمل «عن هذا التفصيل»، علماً بأن هذه الهويات الورقية باتت شبه معدومة الاستعمال منذ سنوات، إلا أنّ لا شيء في القانون يمنع قبولها، كما أنّ القانون «يمنع التدقيق في هوية المواطنين الفرنسيين».
ويتّفق المهتمّون بشؤون المهاجرين، على أن سوق العمل بحاجة إلى هؤلاء العمال، إذ أثبتت الدراسات وجود ما يزيد على ٥٠٠ ألف فرصة عمل لا يتقدم الفرنسيون ولا العمال الشرعيون لشغلها. كما أنّ الإجراءات القاسية لقوانين العمالة التي وُضعت إرضاءً لليمين المتطرّف، تضرّ بالاقتصاد الفرنسي بشكل خاص، ولا تزيد من فرص العمل للفرنسيّين كما يحلو الاعتقاد عند البعض.
وتفتح هذه الإجراءات، أبواب استغلال العمّال غير الشرعيين من بعض أرباب العمل الجشعين، وتسبّب مآسي إنسانية كبيرة لهم بشكل لا يمكن أن يتصوّرها عقل في بلد متطوّر، يوصَف بأنه «بلد حقوق الإنسان».
وقد أكّدت الاستفتاءات الأخيرة التي رافقت هذا الإضراب الغريب، إضافة إلى الاهتمام الإعلامي بمن يفترض أن يظل بعيداً عن الأضواء، أنّ نسبة كبيرة من الشعب الفرنسي بخلاف طروحات ساركوزي، تؤيد تسوية أوضاع هؤلاء «المهاجرين». وظهر أنّ ٦٨ في المئة من الفرنسيين يؤيّدون تسوية أوضاع هؤلاء، بينما لا يعارضها إلا ٢٤ في المئة.
ومن بين المفارقات، أنّ نسبة مؤيّدي «التسوية» لأسباب إنسانية واقتصادية، ينتمون بنسب عالية إلى حزب التجمّع الشعبي الحاكم، أي حزب ساركوزي، إذ تبلغ نسبة المؤيّدين من بين هؤلاء ٨٢ في المئة، بينما لا تصل إلا إلى ٥٨ في المئة لدى مناصري الحزب الاشتراكي المعارض. وكما هي الحالة عندما تجري رياح الاستطلاعات بما لا تشتهي سفن طروحات الفريق الحاكم منذ عام، فإنّ التوجه الحكومي اليوم يسير نحو تسوية أوضاع نحو «مئات المهاجرين» كما أعلن رئيس الوزراء فرنسوا فييون يوم الأحد الماضي، بينما غاب صوت الرئيس ساركوزي عن السمع.