بول الأشقربعد عشرة أيّام من الانتخابات الحزبيّة، يمرّ «حزب الثورة الديموقراطيّة» المكسيكي، ثاني أكبر حزب يساري في أميركا اللاتينيّة بعد «حزب الشغيلة» البرازيلي، بأسوأ أزمة في تاريخه: يتقاذف المرشّحان الأساسيّان، أليخاندرو إنسيناس عن لائحة «اليسار الموحد» وخيسوس أورتيغا عن لائحة «اليسار الجديد»، الاتّهامات بعدما طعنا بالعمليّات الانتخابيّة في عدد كبير من الولايات.
ويتّهم كلّ طرف منافسيه باللجوء إلى الماكينة الحكوميّة في الولايات التي يحكمها الحزب وإلى العنف الجسدي وإلى التزوير المنهجي. وقبل تعطيل العملية الانتخابية، أوضحت نتائج الفرز السريع أنّ مرشّح «اليسار الموحد» الذي أيّده زعيم الحزب المرشح الرئاسي لوبيز أوبرادور، متقدّم على مرشح «اليسار الجديد» الأكثر اعتدالاً والأقرب من الكتلة البرلمانيّة بفارق يتراوح بين 4 و8 نقاط مئويّة.
ويأتي هذا الخلاف تقريباً بعد عام ونصف عام على الانتخابات الرئاسيّة التي فاز فيها الرئيس اليميني، فيليبي كالديرون، بخلافة محازبه فيسينتي فوكس، على لوبيز أوبرادور بفارق ضئيل لم يتخطَّ نصف نقطة مئوية من الأصوات. وكان أوبرادور مرجّحاً للفوز بهذه الانتخابات، إلّا أن نتائج الصناديق أتت معاكسة لطموحاته بسبب الأخطاء التي ارتكبها، حسبما عبّر خصومه، ونتيجة التزوير الذي حصل بحسب أنصاره الذين ظلّوا يطالبون عبثاً خلال أشهر طويلة بإعادة فرز الأصوات وبقوا من وقتها يمارسون المقاطعة في مجلسي النوّاب والشيوخ واصفين مرشّحهم بـ«الرئيس الشرعي».
أمّا خصوم أوبرادور داخل الحزب والبرلمان، فيرون هذا التكتيك، الذي يقلّص القدرة على المناورة، مغامرة سياسية وانتحاراً لأنه يحرم البلد «معارضة مؤسّساتية» ويهمِّش اليسار ويعود ويفتح الطريق أمام حكم البلد بالمقايضة بين «حزب العمل الوطني» اليميني الحاكم و«حزب الثورة المؤسّساتية» الوسطي الذي مني بفشل ذريع في انتخابات عام 2006 والذي حكم المكسيك دون انقطاع خلال 8 عقود حتى انتصار الرئيس فوكس.
وقد تأسّس «حزب الثورة الديموقراطيّة» عام 1988 بانشقاق يساري عن «حزب الثورة المؤسّساتية»، قاده كواتيموك كارديناس عشيّة الانتخابات الرئاسيّة. وقد فاز كارديناس، كما يتفق المراقبون اليوم، بهذه الانتخابات، إلّا أن خصمه عيّن رئيساً بعد تزوير مكشوف تلته خصخصة متسارعة للاقتصاد المكسيكي. وبعد ذلك، فشل كارديناس 3 مرّات في الانتخابات، وفي الاستحقاق الأخير. وبعدها ترك قيادة الحزب مرغماً أمام صعود نجم لوبيز أوبرادور.
ويتجدّد التاريخ اليوم، إذ يُتّهم أوبرادور، كما اتُّهم كارديناس في حينه، باعتماد سياسة «خشبيّة ونبويّة» تغلّب مصالحها الخاصة على مصالح الحزب وضرورات تحديثه. ويأتي الخلاف السياسي، وخصوصاً الاتهامات التي تبادلها الطرفان، والشرخ الذي قد يصعب ترميمه، ليلحق ضربة قاسية بقدرة هذا الحزب على تغيير نفسه قبل تغيير المكسيك.
يوم أمس، انتقل الخلاف الحزبي إلى الشارع في مهرجان حاشد في زوكالو، الساحة الأكبر في مدينة مكسيكو، مع دعوة لوبيز أوبرادور أنصاره من «اليسار الموحد» والجماهير إلى محاصرة مجلسي النواب والشيوخ لدى «مسّ» الحكومة بالشركة النفطية «بيميكس» (تنوي إرسال مشروع لخصخصتها إلى مجلس النواب بعد أسبوعين)، فيما قرر أنصار «اليسار الجديد» مقاطعة الحفل وهم يفضلون معارضة المشروع والسعي لتحسينه.