معمر عطوي
أن يعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن بلاده تتحرك «نحو الذروة على الطريق النووي»، فمعنى ذلك أن سياسته التي قامت على عدم التنازل «قيد أنملة» في هذا الملف قد نجحت في تتويج مرحلة شاقة وحساسة من التعامل مع الغرب، قبيل بدء الاحتفالات بالذكرى الـ29 لانتصار الثورة الإسلامية

يبدو أن الانتقادات اللاذعة التي وجّهها الإصلاحيون والمعارضون لسياسة الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، لم تقف حائلاً بين الرئيس المحافظ والعمل على تحقيق ما وعد به شعبه، من مفاجآت في الملف النووي، العام الماضي.
لقد تعرّض نجاد للعديد من الهجمات بسبب سياسته الاقتصادية الخاطئة، التي أوصلت البلاد الى مرحلة من التدهور، تجاوز فيها التضخم نسبة الـ19 في المئة. كذلك كان مصير خطابه «الاستفزازي» تجاه الغرب وإسرائيل.
لكنه، في المقابل، وضع ثقل مؤسساته، من أجل إنجاح مشروعه النووي، الذي رفض دائماً التراجع في شأنه، حتى باتت المسيرة النووية متألقة في عهده، مصداقاً لقوله إن «المسألة النووية هي التحدي الأكبر منذ بداية الثورة (1979)».
وربما كانت إحدى أهم المفاجآت التي وعد بها نجاد، الإعلان عن بداية إنتاج الوقود النووي محلياً وازدياد أعداد أجهزة الطرد المركزي المُعدَّة للتخصيب الى 3000 جهاز في مفاعلات ناتنز النووية (وسط إيران)، إضافة الى وصول ثماني شحنات من اليورانيوم المخصّب الروسي ــــــ بعد مماطلة طويلة ــــــ إلى محطة بوشهر الكهروذرية، ما دفع الرئيس المتفائل للإعلان عن أن «الكهرباء النووية ستتدفق في شبكة كهرباء إيران» العام المقبل في مثل هذا الوقت.
وفي الحقيقة، فإن الطموح النووي الإيراني، هو إرث قديم، تلقّفته الثورة الإسلامية عن النظام الشاهنشاهي السابق. لكن بدء الحرب الإيرانية ـــــ العراقية عام 1980، أوقف عجلة أي محاولة لتطوير الصناعة النووية، وبقي الأمر على هذا الشكل حتى عام 1985.
في ذلك العام، قامت الثورة بعمليات تخصيب متواضعة لليورانيوم، مستخدمة الوحدات التابعة لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية، ومعتمدة على دعم روسيا وكوريا الشمالية والصين في هذا المجال.
وفي عام 1997، خطت إيران خطوات جيدة على الطريق النووي، حيث انتقلت عمليات التخصيب إلى شركة «كالاي» الكهربائية، التي تمتلك ورشة كبيرة لإنتاج أجهزة الطرد المركزي المعدة للتخصيب.
لكن المرحلة الأهم كانت عام 2002، حين أنشأت الجمهورية الإسلامية محطة خاصة بالتخصيب تحت الأرض في ناتنز. وصمّمت هذه المحطة لتستوعب ما لا يقل عن 50 ألف جهاز للطرد المركزي، بهدف إنتاج حوالى 500 كيلوغرام من اليورانيوم العالي التخصيب سنوياً.
لكن ما عرقّل تقدم طهران ووصولها إلى مرحلة أكثر تطوراً في مجال عمليات التخصيب، هو امتثالها للضغوط الدولية من خلال اتفاق باريس الذي وقعته مع دول الترويكا الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) في تشرين الثاني 2004. اتفاق يدعو إلى إيقاف طهران لأنشطتها في مجال التخصيب لأشهر.
ولم تستأنف إيران هذه الأنشطة إلا عقب وصول مفاوضاتها مع الدول الأوروبية إلى طريق مسدود، بسبب الخلاف على الاقتراحات الأوروبية المقدمة إليها في 2005. حينها كان الرئيس نجاد قد تسلّم زمام الرئاسة: أعلنت إيران استئناف أنشطتها، وبدأتها على نطاق محدود في مجال تحويل اليورانيوم إلى غاز سداسي فلورايد اليورانيوم. ثم زادت من وتيرة هذه الأنشطة، حتى وصلت بها إلى مرحلة إجراء تجربة التخصيب في 2006، التي اشتملت على استخدام 164 جهاز طرد مركزي، لتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5 في المئة، ما يسمح لها فقط بالاستخدام المدني.
ولم تتوقف المسيرة عند إعلان مصادر في الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن تشغيل طهران لثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي الخريف الماضي؛ فقد أعلن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، علاء الدين بروجردي، في كانون الأول الماضي، أن محطة درخويين النووية الإيرانية، التي ستكون الأولى التي تبنيها إيران بالكامل، ستدخل حيز الخدمة في غضون تسعة أعوام.
وكثيراً ما حاولت إيران إقناع المجتمع الدولي والقوى العظمى بأن برنامجها النووي لا يتعدّى في طموحاته الاستخدام السلمي للطاقة، كتوليد الكهرباء والاستخدام الطبي والعلمي، ولهذه الغاية وقعَّت عام 2003 البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، الذي يتيح لوكالة الطاقة القيام بعمليات تفتيش مباغتة.
ويبدو أن موافقة موسكو على تسليم جميع دفعات الوقود النووي لإيران، لم تحل دون تمسك الجمهورية الإسلامية بعمليات التخصيب، الأمر الذي كانت تراهن عليه واشنطن، معتبرة أن استيراد اليورانيوم المخصَّب ينزع الذريعة من طهران باستمرار التخصيب.
ورغم سياسة الكر والفر التي اعتمدتها طهران، حظيت في العام الماضي بشهادتين تدعمان توجّهاتها السلمية النووية: الأولى، كانت تقريراً للمدير العام لوكالة الطاقة، محمد البرادعي، تحدث فيه عن عدم وجود ما يثبت نيتها امتلاك سلاح نووي. والآخر تقرير صدر عن 16 جهاز استخباري أميركي يؤكد توقف البرنامج النووي العسكري لإيران منذ عام 2003، مع العلم أن كلا التقريرين كان حمَّال أوجه لجهة التحذير من إمكان النظام الإسلامي في أي وقت العودة الى تحقيق الأهداف العسكرية للبرنامج النووي.
ثمة رسالة واضحة في ما أعلنه نجاد أول من أمس عن أن بلاده تتحرك «نحو الذروة...على الطريق النووي». رسالة تتخذ أهميتها من المكان الذي كان يخطب فيه نجاد أمام حشد من الإيرانيين، وهي منطقة بوشهر التي تتحضّر لتشغيل مفاعلاتها الكهروذرية. ما يؤشر إلى أن تحقيق الهدف النووي الذي سعى دائماً اليه قد يكون مفتاح حل للمشاكل الأخرى من دون أدنى شك.