حسام كنفاني
غالباً ما وقفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية على أعتاب القدس عاجزة عن التقدّم. للمدينة وخز خفي في الوجدان يبقيها عصيّة على التنازل منذ مباشرة مسار التفاوض على فلسطين التاريخية، بدءاً من قرار التقسيم، مروراً بكل مراحل التفاوض العربية الإسرائيلية.
الوضع اليوم على حاله، وآمال السلام المعلقة على المؤتمر الدولي في أنابوليس ستتكسر أيضاً عن جدران المدينة المقدّسة، ولا سيما أن طرح الوضع الدائم للمدينة على بساط التفاوض لا يزال موضع جدل في الداخل الإسرائيلي.
وإذا كان التصويت بالقراءة الأولى في الكنيست على قانون يمنع الانسحابات من القدس المحتلة لا يضفي عليه الصفة الإلزامية، إلا أن الوقت لن يطول قبل الوصول إلى القراءة الثالثة التي تعطي المشروع صفته القانونية الملزمة، ليكون ذريعة إسرائيلية جديدة لرفض أي تغيير في الوضع الحالي للمدينة.
والإصرار الإسرائيلي، ولا سيما اليميني، على عدم الانسحاب من القدس ليس جديداً على مسار التفاوض، لكن المشروع المطروح أمام الكنيست، في حال إقراره، سيضع عائقاً قانونياًً أمام الطروحات الإسرائيلية السابقة للانسحاب من أجزاء من المدينة، رغم أن هذه الطروحات لم تصل إلى حدّ المطالب الفلسطيني المتمثلة خصوصاً بالسيادة على الحرم القدسي، الذي كان السبب الأساسي في فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية بعد رفض الزعيم الراحل ياسر عرفات كل عروض التنازل عن هذا المطلب أو على الأقل تأجيل بحثه.
وإلى اليوم لم يتبلور موقف إسرائيلي مغاير لما كان مطروحاً في كامب ديفيد، بل على العكس تماماً، فإن أكثر المقترحات الإسرائيلية «انفتاحاً»، إذا صحّ التعبير، في موضوع القدس، لم تصل إلى حدود ما عرض على عرفات ورفضه في كامب ديفيد. وتمثّل خطة نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، حاييم رامون، لوضع القدس المحتلة «النظرة المعتدلة» للطاقم السياسي الحاكم، وتنص على نقل أحياء القدس العربية الخارجية إلى الدولة الفلسطينية المرتقبة، في مقابل «نظام خاص» في البلدة القديمة والأحياء العربية الملاصقة لسور الحرم القدسي، يشارك فيه دول «إسلامية معتدلة».
أما الرؤية المتطرفة لوضع القدس فتتمثل في خطة وزير الشؤون الاستراتيجية أفيغدور ليبرمان الذي يعرض نقل الأحياء الخارجية إلى السيادة الفلسطينية في مقابل ضم المستوطنات الكبيرة في محيط المدينة المحتلة إلى إسرائيل، إضافة إلى السيادة الإسرائيلية الكاملة على «الحوض المقدّس» وما حوله.
هذا ما يمكن اعتباره أفضل وأسوأ المعروض إسرائيلياً على طاولة البحث الثنائية في ما يتعلق بالقدس المحتلة، وهو لا يزال دون المطالب الفلسطينية القائمة على أساس انسحاب كامل إلى حدود الرابع من حزيران 1967، وسيادة فلسطينية على الأحياء العربية الملاصقة للبلدة القديمة وتبادل أراضٍ في مقابل الأحياء اليهودية. وفي ما يتعلق بالحرم ومحيطه، فإن الفلسطينيين يعرضون سيادة إسرائيلية على حائط البراق والحي اليهودي، فيما يخضع ما بقي من الحرم لسيادة فلسطينية كاملة.
هذا الموقف الفلسطيني لا يزال إلى اليوم صامداً منذ كامب ديفيد وطابا، حيث اقترحت إسرائيل والولايات المتحدة أن تمنح السلطة الوطنية الفلسطينية السيادة على الحي العربي (المسيحي والإسلامي) وسيادة فلسطينية فوق أرض الحرم، فيما ترجع السيادة على ما تحت القشرة الأرضية لإسرائيل، وهو ما رفضه عرفات حينها لعدم إضفاء صفة شرعية على الحفريات الإسرائيلية تحت الحرم، رغم تعهّد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون وقف الحفريات الإسرائيلية.
وفي طابا أواخر كانون الأول 2000، قدم كلينتون مقترحات تضمنت تنازل إسرائيل عن معظم القدس الشرقية العربية واحتفاظها بالسيادة على الحي اليهودي وجزء من الحي الأرمني في القدس القديمة. وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك إيهود باراك الموافقة عليها إذا وافق عرفات، إلا أن كلينتون لم يقدّم تفاصيل إضافية لمقترحه، ولا سيما أنه كان في نهاية ولايته، ما أسقط الاقتراح في مهده.
أمام الواقع الصدامي للطروحات حول القدس المحتلة، فيبدو شبح كامب ديفيد يحيط بأنابوليس حالياً، إلا إذا أراد الرئيس الفلسطيني محمود عباس التراجع في آخر لحظة عن ميراث أبو عمار.