باريس ــ بسّام الطيارة
انتظر الفرنسيّون «القطيعة» التي وعد بها رئيسهم نيكولا ساركوزي في كل حقول الحياة السياسية، على أساس أنّه «رجل يفعل ما يقول». وبالفعل، أدخل توجّهات جديدة في نمط الممارسة اليومية للسياسة، وخصوصاً في مجال الإعلام، الذي يحتلّ واجهاته يوميّاً وبشكل مكثّف، لدرجة أنّ الصحافة نفسها بدأت تتحدّث عن «انسحاق هامش الإعلام» بسبب الركض وراء «أخبار ساركوزي» التي تغطّي على عمل بقيّة الوزراء والإدارات، ويمنع زخمها من إمكان النظر بتروٍّ إلى القوانين الجديدة المتسارعة التي تغيّر ببطء، لكن بقوّة، وجه فرنسا للأجيال المقبلة.
مع هذا، فإنّ الرأي العام الفرنسي يبدو حتى اليوم مترويّاً قبل الحكم على «الساركوزية»، أكان ذلك بالنسبة إلى الانفتاح على القوى السياسية الأخرى وإشراكها في الحكم، أم في شأن القوانين الاجتماعية وقوانين العمل التي يتّفق الجميع على ضرورة إصلاحها جذرياً لتتلاءم مع العولمة.
إلّا أنّ «معارضة جديّة وقويّة» بدأت تتكوّن حول بند من قانون ضبط الهجرة. وتتميّز باحتوائها على معظم شرائح المجتمع الفرنسي من اليمين إلى اليسار، وتشمل الكنيسة الكاثوليكية والجمعيات الإنسانية، وتتمحور حول «التلوين العنصري لهذا القانون» الذي يهدّد «الكيان الفرنسي»، حسبما صرّح بعض كبار السياسيّين، وبينهم أقطاب من اليمين الفرنسي مثل وزير الداخليّة السابق اليميني شارل باسكوا، مع إشارة البعض إلى أنّ هذا القانون «يذكّر بالاستعمال العنصري الذي لجأ إليه النازيّون».
فالقانون الجديد، الذي أقرّه مجلس النوّاب ورفضه مجلس الشيوخ، يفرض فحصاً جينياً لكلّ طالب هجرة، خصوصاً في مجال «لمّ شمل العائلات»، ما يفتح الأبواب واسعة أمام شتّى أنواع الاستعمالات غير القانونية للمعطيات الإحصائية التي ستتراكم في حواسيب إدارات الهجرة والشرطة.
ويشدّد المعارضون على أنّ هذا القانون العنصري يخلق تمييزاً بين المواطنين الفرنسيّين، الذين لا تُطبّق عليهم مفاعيله، والمهاجرين الأجانب الذين سيتحوّلون يوماً ما إلى فرنسيّين. ويشيرون إلى أنّ هذا التوجّه يتنافى مع فلسفة المجتمع الفرنسي القائم على «انصهار الوافدين» لا على «أصالة الانتماء»؛ فالمجتمع الفرنسي، كما يذكّرون، مبني على «الخليّة العائلية» من دون الرابط البيولوجي، أي رابط الدم، في حين أنّ هذه الإجراءات، إذا طُبّقت، تخلق مشاكل درامية إنسانية لدى العائلات التي تخضع لها وتُدخل عامل الشكّ بين أفرادها وتجعل هيكليّتها قائمة على «قواعد علميّة باردة» لا تأخذ بالاعتبار العلاقة الإنسانية والحياة المشتركة.
وازداد الخوف والاعتراض بعدما تبيّن أنّ القانون يحمل في طيّاته بنداً آخر يسمح بـ«جمع المعلومات الإحصائية الإثنية» وهو ما كانت تحرّمه القوانين. أي بات يمكن إجراء إحصائيّات تميّز لون البشرة والأصل الإثني والديانة. والتخوّف نابع من الاستعمال السياسي لهذه الأرقام من الأطراف اليمينيّة المتطرّفة واستخلاص نتائج تزيد حدّة العنصرية بين أفراد المجتمع.
كما يسعى ساركوزي إلى تأسيس مركز أبحاث عن «الهجرة وانصهار المهاجرين»، إلى جانب مؤسّسة تهتمّ بـ«ذكرى حرب الجزائر والمغرب العربي»، وهو مشروع يناهضه المتخصّصون وأساتذة الجامعات خوفاً من أن يكون مقدّمة «لوضع يد السلطة على الأبحاث الإنسانية وتوجيهها»، حسبما يوضح عالم التاريخ، باتريك سيمون.
وينظر بعض المثقفين بحذر كبير إلى الهيكلية الجديدة التي يرسمها المشروع الساركوزي، في حال إقرار مجموعة القوانين هذه، التي تسمح بإدخال «عناصر مهاجرة خضعت لفحص جيني حسب إحصائيات ذات تلوين إثني تلبّي طلب السوق»، من يد عاملة أفريقية أو آسيوية أو عربية. وخصوصاً أنّ القوانين تأتي لترافق تحوّلاً لدى شريحة واسعة من «المنظّرين» الذين يرون في المهاجرين، أو في الفرنسيّين من أصول مهاجرة، «علّة في المجتمع»، ويذكّرون بتصريحات الأكاديمية، ذات الأصول الروسيّة، هيلين كارير دانكوست، التي نسبت أسباب ثورة الضواحي عام ٢٠٠٥ إلى «تعدّد الزوجات لدى المهاجرين».