القاهرة ـ محمد شعير
كيف ستنتهي في مصر حرب البيانات بين المثقفين و«شيوخ المودرن»؟ وإلى أين يمكن أن يصل محتكرو «الحقيقة الدينية» الذين يجدون في تصرّفهم ترسانة من القوانين، تتيح لهم رفع دعاوى قضائية «خبط عشواء»، واتهام المبدعين بالإساءة إلى الدين وثوابت الأمة.
مثقفو مصر بدأوا يخرجون عن صمتهم في القاهرة، مطالبين بوضع حدّ لهذيان يوسف البدري ومجموعة الإسلامين التي أصدرت بياناً تطالب فيه باستتابة الشاعر حلمي سالم. وكان غضب المتشدّدين قد انصبّ على الشاعر المصري البارز بسبب نشره قصيدة بعنوان «شرفة ليلى مراد» (راجع «الأخبار»، 23 آب/ أغسطس الماضي) التي وجدها البدري ورفاقه «مسيئة للذات الإلهية». وبلغ الأمر حدّ مصادرة العدد الخاص من مجلة «إبداع» التي نشرت القصيدة، ورفع دعوى قضائية لسحب جائزة التفوق التي حصل عليها حلمي سالم في حزيران (يونيو) الماضي.
حلمي سالم من جانبه سخر من بيان البدري ونفى فكرة توبته، مؤكداً «أنّه لم يذنب حتى يتوب أو يتبرأ مما فعله»، قائلاًً: «على العكس، إنّ القصيدة فيها تنزيه للذات الإلهية عن البطش». وأضاف حلمي: «ليس من حق يوسف البدري أو غيره أن يطلب منّي التوبة، لأنّه ليس صاحب الدين ولا وكيل الله على الأرض والدين ملك الجميع». واختتم حلمي بيانه بالتأكيد أنّه يقوم حالياً بكتابة مقالة للرد على ما جاء في بيان البدري.
ومن جانبه، أكّد الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي رئيس تحرير «إبداع»، أنّه ذهب الأسبوع الماضي إلى النيابة باعتباره شريكاً في الجريمة، واستُجوب لمدة أربع ساعات، فتحدث عن «الفرق بين الشعر والنثر»، شارحاً للنائب العام أن «ما يمكن اعتباره إساءة في النثر ليس كذلك في الشعر، لأن الشاعر لا يستخدم لغةً مباشرةً تفهم بظاهر معناها ومفرداتها، بل تفهم بصياغة الشعر. وعندما يقول حلمي سالم في قصيدته «شرفة ليلى مراد» إن الله ليس شرطة مرور، فهي ليست إساءة لأنّه لا يقول إن الله لا ينظم حياتنا، بل يريد هذا المعنى «إن الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، أي علينا ألا ننتظر الحل من السماء.
وقد أثار بيان البدري باستتابة حلمي سالم غضب المثقفين، فأكد الشاعران عبد المنعم رمضان وحسن طلب أن المشكلة ليست في البدري، ولا في المثقفين، بل في «القانون» الذي يجب النضال لتغييره. ورأت الناقدة فريدة النقاش في بيان البدري «خطوةً جديدةً لإرهاب المثقفين»، مشيرة إلى أنّه «ليس من حقّهم محاكمة أحد والتفتيش في نياته».
الكاتب المسرحي محمد سلماوي، رئيس اتحاد الكتاب العرب، أكد أنه تم الموافقة على اقتراحه بأن يصبح «اتحاد الكتاب العرب» مرصداً للحرية في العالم العربي وستتم في الاجتماع المقبل في البحرين (ك 1/ ديسمبر)، مناقشة التقارير التي ستقدّمها اتحادات الكتاب العربية تمهيداً لإصدار تقرير نهائي عن حالة الحريات. وأضاف: «لن نتجاهل قضية حلمي سالم، بل سندعو نقابات الرأي (الصحافيين والمحامين بإلاضافة إلى اتحادات الكتاب) إلى اتخاذ موقف حاسم بعد تمادي الشيوخ أكثر مما ينبغي في مطاردة الكتاب والمبدعين، وكي نضع حدوداً بين الدين والشيوخ الذين يتحدّثون باسمه، لأن حرية الرأي مكفولة للجميع».
من جانب آخر، أثار تقرير «مجمع البحوث الإسلامية» عن قصيدة سالم غضب المثقفين. ويجهز عدد من المحامين دعوى قضائية ضد المجمع باعتبار قراراته غير قانونية، إذ نص قانون إنشائه على أن يكون عدد أعضائه 60 عضواً، ثلثهم من الوطن العربي، وهو ما لم يتوافر، ما يبطل كل ما يصدر عنه من قرارات».
وكانت محكمة القضاء الإداري قد أجّلت القضية المقدمة من الشيخ يوسف البدري والمحامي سمير صبري ضد الشاعر حلمي سالم ووزارة الثقافة المصرية، إلى الرابع من كانون الأول (ديسمبر) المقبل، للنظر في سحب جائزة الدولة من الشاعر المصري الكبير. وكانت جريدة «البديل» المستقلة في القاهرة، قد نشرت السبت الماضي صفحات من حياة الشيخ السبعيني الذي جعل من مطاردة المثقفين هوايته المفضّلة، كاشفةً أنّ «البدري بدأ حياته في الخمسينيات متقرّباً من التنظيمات الشيوعية، لكنه ابتعد عنها بعد اعتقاله... ثم انتقل إلى الكتابة الإبداعية، إلا أنّه لم ينجح في ذلك (...) وبعد رحلة إلى أميركا وأخرى إلى السعودية عاد إلى مصر ليبدأ مسيرته الجديدة، واقترح أثناء وجوده في مجلس الشعب تأسيس «مجالس للحسبة» تلاحق النساء والمبدعين... إلا أنّ المجلس رفض اقتراحه».