توافقت الولايات المتحدة مع تركيا حول خطة عمل عسكرية تهدف إلى التخلص من خطر تنظيم «داعش» على الحدود التركية ــ السورية. تبدو هذه الخطة كجزء من الاتفاق بين الحليفين، رأى فيها البعض لعبة تبادل تقوم فيها الطائرات الأميركية باستعمال قاعدة انجيرليك، ذات الموقع الاستراتيجي، التي يمكن أن تساعد واشنطن في حملتها ضد «داعش» ومواقع الإرهابيين. ويتمثل الاتفاق في إقامة منطقة عازلة، بطول 98 كلم وعمق 40 كلم، تقع بين منطقة مارع ــ جرابلس، وهي المنطقة التي تقع اليوم ضمن نفود «داعش».
اتفقت مصادر متعددة على تسمية المنطقة بـ«المحررة من داعش»، بسبب معارضة واشنطن، الحريصة على عدم إعطاء سوريا وروسيا وإيران حججاً غير صحيحة، على اعتبار أنها خضعت لطلب تركيا بمنطقة عازلة، كما أرادت الأخيرة؛ فالهدف الأساسي لهذه الحملة الأميركية ــ التركية هو ضرب «داعش» وليس قتال نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ستقتصر الحملة، وفق الأميركيين، على قيام الطائرات الأميركية بعمليات انطلاقاً من قاعدة إنجرليك، ولن تكون المشاركة التركية سوى عند الحاجة. كذلك فإن المنطقة المذكورة لن تصنّف «كمنطقة عازلة»، فيما يجري استعمال وحدات المدفعية التركية البعيدة المدى إذا لزم الأمر.
من أجل ذلك، دعمت تركيا وجود قواتها على طول الحدود مع سوريا، ولا سيما على خط مارع ــ جرابلس، بعدما بدا أن «داعش» يتقدم في الشمال الغربي لسوريا، ما يهدد وجود «الجيش الحر» الذي يتوقع نشره في المنطقة بعد تحريرها من التنظيم، وهو ما سيساهم في منع حزب «الاتحاد الديموقراطي» من مواصلة تمدّد نفوذه نحو الغرب، كما يساعد في خلق بيئة آمنة للسوريين الهاربين من العنف، بناءً على إرادة تركيا.
كل هذا يحدث فيما رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو يشدد على أن تركيا ليست جزءاً من الحرب في المنطقة ولا تزال أنقرة تأخذ موقف الدفاع، ولا سيما إن تعرّضت لتهديد كالذي حدث.
لكن هل ما يجري يعدّ تأمين منطقة عازلة؟ إن فتح قاعدة إنجرليك للطائرات الأميركية يعني تأمين الحماية للطائرات الحربية الأميركية، لذا لا بدّ من وجود منطقة لا يسمح فيها بدخول الطائرات المدنية أو التجارية.
وجرى تداول تسمية منطقة «حظر طيران»، ستقام على طول الحدود، ما لن يسمح لأي طائرات بالتحليق. وقد أكدت أنقرة أنه سيتم إنشاء غرف مراقبة على طول الحدود وخارج الحدود، أي على الجانب السوري، وستكون محمية بواسطة الطائرات الأميركية والتركية، ولكن لن تدخل القوات البرية التركية إلى هذه المنطقة التي ستكون محمية بواسطة الأجهزة الإلكترونية.
لن توسع أنقرة عملياتها المنسقة مع الولايات المتحدة، أما الأكراد السوريون المتحالفون مع واشنطن، فهي ترى أنه بإمكانها أن تقوم بملء الفراغ عبر حلفائها السوريين، بعد دحر «داعش» والحلول مكان «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي.
هذا الأمر يعني تراجع دور الحزب ضد «داعش»، لكن مهما يكن لن تقوم واشنطن بوضع الأكراد خارج المعادلة، وهو ما يشكل تحدياً. لذلك، ستحاول جلب أنقرة و«الاتحاد الديموقراطي» إلى تلاقٍ من أجل تفعيل عملية السلام في تركيا. لا تريد الولايات المتحدة من «حزب العمال الكردستاني» سحب قواته من شمال سوريا، لكنها أيضاً لا تريده أن يتوجه بالحرب ضد تركيا، لأنه بذلك سيقوّي «داعش».
تركيا بحاجة إلى «حزب الاتحاد الديموقراطي»، ما دامت ستنشط في سوريا. وبمجرد وجود أي تهديد للمنطقة العازلة، ستكون بحاجة إلى وجود هذا الحزب. بناءً عليه، ترى واشنطن أنه يجب على أنقرة اعتبار حزب «الاتحاد الديموقراطي» شريكاً، ولو بشكل غير مباشر، لأن الحرب على «داعش» سوف تكون صعبة، كذلك فإن تركيا لا تستطيع خوض حرب ضد الأكراد في الوقت الذي تعيش فيه عدم استقرار داخلي. يبدو أن تركيا تبنّت مقولة واشنطن «داعش أولاً ثم الأسد»، لأنها في مأزق عميق في ظل الاستقطاب الداخلي، وتبدو واشنطن قابضة على خيوط اللعبة.