بغداد | تفاوتت القراءات على الساحة السياسية العراقية لإعلان زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، أخيراً، تسمية جديدة هي «التيار الوطني الشيعي»، بين من رآها خطوة أولية تمهّد للعودة إلى المشهد السياسي الذي غاب عنه التيار بمحض إرادته منذ سنتين تقريباً، ومن فسّرها بشكل أوسع، مدرجاً إياها في سياق الوقوف في وجه اتهامات خصومه الذين يروّجون بسخاء لفكرة خروجه عن جادة المذهب الشيعي، وخاصّة في قضايا الدين والسياسة. ومع تزاحم السيناريوات المحتملة حول تحركات الصدر الأخيرة على مستوى تنظيم قواعده الشعبية بشكل غير مسبوق، ومعاقبة بعض قيادات التيار البارزة وعزلها، وحلق لحى بعض أنصاره المخالفين لتوجيهاته، ولقائه بالمرجع الديني الأعلى في النجف، السيد علي السيستاني، في شهر رمضان الفائت، إلا أن تغيير اسم التيار إلى آخر يحمل صفة مذهبية اكتسب أبعاداً مختلفة، ومنها ولادة مشروع سياسي جديد قد يوازي مشروع «الإطار التنسيقي» الجامع للقوى السياسية الشيعية، باستثناء التيار المعروف بمعارضته الشديدة لـ«التنسيقي» منذ آخر انتخابات تشريعية في البلاد. وتحمل تسمية «التيار الوطني الشيعي» دلالات رمزية وعميقة، لأنّ الصدر يحرص في مضامين معظم خطاباته على نبذ المذهبية وتأييد الوطنية العابرة للطوائف، حتى إن غلاف جميع مواقعه الإلكترونية تتصدّره عبارات ثابتة تشيد بالتنوّع العراقي، إلا أنه بدأ أخيراً يهتم أكثر بقضية الاعتزاز بهويته الشيعية، وخاصة بعد الانتقاد المستمر لخروجه عن إرث مرجعية والده، من جهة، وتواصله مع دول خليجية كالسعودية، من جهة أخرى.
وترك الصدر أنصاره في محنة التأويل والتفسير والتبرير في آن واحد، جرّاء التسمية الجديدة وما تحمله من أهداف قد يراها كثيرون منهم «غامضة» ولا يدركها سوى زعيمهم. وتفيد مصادر مقرّبة من التيار، «الأخبار»، بأنّ توجيهاً مباشراً صدر بالالتزام بالتسمية الجديدة، وعدم استخدام تسمية «التيار الصدري» في المنشورات والكتب الرسمية والإعلام. وتوضح المصادر أن «الهدف الأساسي من التسمية هو إسكات مروّجي فكرة أنّ التيار يسعى إلى شق الصف الشيعي من جهة، وإرسال رسالة إلى منافسيه بأنه الكتلة الشيعية الأكبر من حيث القاعدة الشعبية، وإن ابتعد عن الجو السياسي». وتؤكد أنّ «التحضير للعودة أمر لا بدّ منه، لكن بكوادر جديدة واسم جديد وربما بتحالفات جديدة». وتستبعد بشكل قاطع تحالف الصدر مستقبلاً مع رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، الذي يصف مقتدى حكومته بأنها «حكومة بني العباس»، وأيضاً مع زعيم «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، الذي يُعدّ من ألد خصومه السياسيين.
الهدف الأساسي من التسمية هو إسكات مروّجي فكرة أنّ التيار يسعى إلى شق الصف الشيعي


والجدير ذكره، هنا، أن معظم القوى الشيعية تعتمد تسميات ذات رمزية دينية، ابتداءً بـ«حزب الدعوة الإسلامية»، وليس انتهاء بـ«تيار الحكمة» الذي يتزعمه عمار الحكيم، و«المجلس الأعلى الإسلامي»، وهذا قد يكون سبباً منطقياً لإطلاق الصدر تسميته الجديدة، كإعلان مبكر لمواجهة تلك القوى في الانتخابات التشريعية المقبلة. وانشغلت القوى المنافسة، ولا سيما «الإطار التنسيقي»، من جهتها، بمحاولة فك شيفرة التسمية. ويعزو القيادي في «التنسيقي»، علي الفتلاوي، أسباب تغييرها إلى عدة نقاط منها «كسر العزلة السياسية، وأن يكون هناك نظام سياسي جديد يدخل عبره التيار العمل السياسي تحت عنوان الوطنية، وهو مشروع يعمل الصدر على بنائه منذ سنين طويلة». ويضيف الفتلاوي، في حديث إلى «الأخبار»، أن الصدر «يرغب في إبعاد اسم عائلة الصدر عن شبهات العمل السياسي، رغم أن التيار الوطني الشيعي الجديد سيبقى خاضعاً للصدريين ولا يختلف كثيراً عن أفكار الصدر».
ومن جانبه، يقول المحلل السياسي، علي الصاحب، إن جميع تحرّكات الصدر في الآونة الأخيرة تؤكد رغبته في العودة إلى الساحة السياسية، لكنه يبحث هذه المرة عن آلية وأدوات جديدة يستطيع عبرها تشكيل حكومة غالبية. ويرى أن الصدر يحاول عبر مشروعه الجديد عزل خصومه التقليديين داخل الصف الشيعي، وتحديداً من «الإطار التنسيقي»، وكذلك يسعى إلى الرد على كل ما أشيع عن تقارب في وجهات النظر مع المالكي أخيراً. ويتكهّن المحلل بأن خطوات الصدر هي تلميحات إلى عودة قريبة، و«ربما هذه الإجراءات استباقية لإعادة النظر من الداخل في هيكلية تياره وتنظيمه قبل الرجوع إلى المعترك السياسي»، متوقعاً أنه «في قادم الأيام، ستشهد الساحة متغيّرات جديدة قد يكون التيار بطلها».